عبر 13 دولة.. كيف سلك شاب مغربي طريق الحلم إلى باريس؟
٢٩ يوليو ٢٠٢٢في ربيع العام الماضي كان أوّل لقاءٍ لـ"مهاجر نيوز" مع أيوب حيث التقيناه ضمن سلسلة البودكاست التي أطلقناها من على الحدود "Tales from the Border"، وهي عبارة عن 8 حلقات يمكنكم الاستماع إليها من هنا.
في ذلك الوقت كان أيوب قد وصل إلى فرنسا بعد سفره عبر أكثر من 13 دولة، ليضع قدمه على أولى خطوات تحقيق حلمه في سبتمبر 2021 في باريس، فكيف كان شكل الرحلة حتى وصل إلى هنا؟
يقول أيوب إنه يفتقد بريانسون، المدينة الحدودية الواقعة تحت جبال الألب، التي تذكره بمسقط رأسه في المغرب مع خلفية جبلية مماثلة، وغالبًا ما يتذكر الأشخاص الذين التقى بهم هناك: المتطوعون الذين أظهروا له اللطف الكبير وساعدوه كثيرًا، وقدموا له الطعام ومكانًا للعيش، وساعدوه في ملء النماذج واستكمال الطلبات عبر الإنترنت.
يتذكر قائلاً: "أقمت بالملجأ لمدة شهر تقريبًا، قبل أن أجد مكانًا لي بـ"السكوات" وهو بناء مهجور يتم الاستيلاء عليه واستخدامه للسكن، وانتقلت للإقامة في "سكوات" La Maison Chez Marcel المعروف جيدًا لدى السكان المحليين لإيوائه العديد من المهاجرين.
يتذكر أيوب: "كان لدينا حديقة ومياه وكهرباء، كان لدينا كل شيء، مكثت هناك ربما ثلاثة أشهر في غرفتي الخاصة بالطابق العلوي، صنعت الباب والسرير وكل شيء فيها كانت جميلة".
خلال إقامته في بريانسون عمل أيوب بوظائف غريبة بالنسبة له كالطهي وإصلاح الدراجات، ويقول: "كنت أعمل أحيانًا ليس من أجل المال، بل مساعدةً للملجأ، كنا نصنع الطعام للناس هناك".
باريس... الحلم
بقدر ما أحب أيوب روح التضامن في بريانسون، إلا أنه قرر الرحيل عنها إلى باريس ملاحقًا حلمه في الحصول على شهادة جامعية بفرنسا وتأسيس حياته هناك.
علم أن الأمر لن يكون سهلًا لكنه كان مصممًا، وكان هذا أساسًا سبب مغادرته المغرب، بنظر أيوب لا مستقبل له هناك: "في بلدي، أرى كل شيء أسود"، بسبب قلة فرص العمل، خاصة في بلدته عند بوابة الصحراء، والتي تنتشر فيها الجريمة وتجارة المخدرات والفقر، لذا انطلق نحو أوروبا بحثًا عن حياةٍ أفضل.
كانت بريانسون محطة للوصول إلى باريس، لذلك وأثناء تواجده هناك تقدم أيوب للحصول على دورة تأسيسية باللغتين الفرنسية والإنجليزية للطلاب الأجانب في جامعة باريس بانتيون-سوربون، تم قبوله بعد اختبار ومقابلة، وحدد سبتمبر/أيلول 2021 موعدًا لذلك.
لكن عوائق من نوعٍ آخر ظهرت بطريقه، لم يكن لديه المال الكافي للانتقال!
بدأ إسكان المنزل والمتطوعون الآخرون بالبحث عن حلول لأيوب، فدفع متطوع شاب في الملجأ في بريانسون ثمن تذكرة حافلته إلى باريس، بينما استضافه صديق باريسي آخر التقى به في بريانسون في لياليه القليلة الأولى في المدينة وساعده على الالتحاق بالجامعة، ريثما وجد غرفة للاستقرار فيها لأحد أصدقاء متطوع في بريانسون.
يقول أيوب: "لا يمكنني وصف الأمر بالكلمات، تركت الجامعة في المغرب، وغادرت بلادي مهاجرًا والآن أنا في الجامعة في فرنسا، إنه شعورٌ رائع".
كسب المال
كان الحصول على بطاقة هوية الطالب وبدء دراسته الجامعية لحظة فخر لأيوب، لكن الحياة في باريس كانت معقدة كثيراً، كان بحاجة لكسب المال لدفع الإيجار لكنه لم يستطع العمل بشكل قانوني، إذ احتاج لأوراق تثبت أنه مهاجر قانوني للحصول على وظيفة، وللحصول على تلك الأوراق فهو بحاجة للحصول على إثبات أنه يتقاضى راتب، فوجد نفسه في معضلة تقاسمها معه العديد من المهاجرين في فرنسا.
بالبداية اعتمد على أموالٍ قليلة أعطاه إياها صديق وأرسل له والديه قليل من المال أيضاً، لكن أيوب أراد أن يكسب رزقه، فهذا ما قام به طوال رحلته، إذ عمل بتقطيع الحطب في صربيا والمساعدة في الطهي وتنظيف الطاولات في النمسا.
بالنهاية تمكن أيوب من العثور على عمل في السوق القريب لمكان إقامته بمنطقة سان دوني في الضواحي الشمالية لباريس، بتفريغ البضائع وبيعها، وأصبح يقسم أيامه بين الجامعة لثلاثة أيام والعمل ليومين.
"كنت أبدأ بالساعة 4 صباحًا وانتهي في الساعة 4 مساءً، حصلت على 50 يورو ليوم كامل -اثنتي عشرة ساعة- لأنني لا أملك أوراقًا، لقد فعلت ذلك في الأشهر الثلاثة أو الأربعة الأولى"، يشرح أيوب.
لم يكن سعيدًا بمنطقة إقامته، بينما توفر الجمعيات للمهاجرين مساكن مجانية لكنها مكتظة ومشتركة، لذلك كان أحيانًا ينام بالحافلات بدلًا من الذهاب لهذه الأماكن المشتركة.
ساند أيوب أشخاصٌ جيدون، إذ منحه أحد أساتذته مكانًا مجانيًا لمدة شهرين، وحصل على وجبات مجانية من مشروع طلابي بالجامعة، وهناك تعرف بالعديد من المتطوعين.
حظ سيء
اعتقد أيوب أن حصوله على المساعدة في عقبات تأمين السكن والطعام يعني أنه محظوظ، لكن سوء الحظ جاء من مكانٍ آخر، كما يشرح: "لمدة عام كنت دائمًا أعاني من الألم ولم أنتبه لأي شيء، كنت أقول إن الألم سيختفي، حتى جاء يوم وكان لدي درس باللغة الفرنسية وكان لدي الكثير من الألم في ذلك الصباح لم أستطع الوقوف، لم أستطع أكل أي شيء وتقيأت كثيرًا".
نُقل أيوب إلى المستشفى وعرف أنه مصاب بالتهاب الزائدة واضطر للخضوع لجراحة، يتذكر قائلًا: "لقد كانت صدمة حقيقية، كانت هذه هي المرة الأولى التي أحتاج فيها لعملية جراحية في حياتي، لم يكن لدي عائلة، ولا أحد يعتني بي بعد العملية".
وبعد العملية احتاج للبحث عن مكان إقامة جديدة، إذ كان الصعود لغرفته بالطابق السادس أمرًا صعبًا بعد الجراحة، بحث يائسًا قبل أن يبتسم الحظ من جديد.
"مدام جيوفانا والسيد سيرجيو"
تعرف أيوب على زوجين فرنسيين، هما مدام جيوفانا والسيد سيرجيو، ساعداه في الحصول على مكان للإقامة، وبحسب أيوب كانا لطيفين للغاية، فعلا الكثير من أجله إذ منحناه منزلاً وقدما له الطعام والحب، يضيف: "لقد قدما لي كل شيء".
حافظ أيوب على علاقته بالزوجين وأصبح يزورهما بانتظام ويطبخ لهما الطعام المغربي، ويرى أيوب أن دعمهم العاطفي كان حاسمًا عندما كانت حالته تتدهور، ويقول: "كان مجرد وجود شخص للتحدث معه جيدًا للغاية، لم أكن أتحدث مع أي شخص عن مشاكلي وعن حياتي، أخبرت مدام جيوفانا بكل شيء".
ساعدت جيوفانا أيوب بشكلٍ عملي أيضًا، وبفضلها حصل على جواز سفر جديد.
الاعتداء
في إحدى الليالي في أوائل شهر حزيران/ يونيو تعرض أيوب لهجوم من قبل شخصين أثناء انتظار حافلة، "رأيتهم يستنشقون المخدرات أو شيء من هذا القبيل، ثم طلبوا مني سيجارة وكان لدي سيجارة واحدة فقط كنت أدخنها، وقلت إنها الأخيرة، فلم يصدقوني وأرادوا خوض معركة، فضربني أحدهم بعبوة غاز وكسر فكي، ما اضطرني لإجراء عملية جراحية"، رغم ذلك أصر أيوب على البقاء متفائلًا: "أنا أبتسم دائمًا، حتى عندما أكون حزينًا ومتألمًا في داخلي، أضع ابتسامة دائمًا وأحاول أن أكون سعيدًا، أعتقد أنه إيجابي وأؤمن بإلهي".
وفي 8 حزيران/ يونيو 2022 كان لدى أيوب شيئًا يبتسم حقًا عندما حصل أخيرًا على شهادته الجامعية. لتكون خطوة جديدة لتحقيق حلمه بأن يصبح طاهٍ يدير مطعمه الخاص.
الشيف أيوب
يود أيوب أن يبدأ التدريب على الطهي في شهرسبتمبر/أيلول 2022، لكن دورات الطهي تتضمن تدريبًا عمليًا بالإضافة إلى الدروس، ويقول: "أنا طباخ رائع وأود أن أتدرب، أعرف الكثير من المدارس حيث يمكنني الحصول على شهادتي في غضون عامين، وبعد عامين يمكنني الحصول تلقائيًا على وظيفة".
ولكن حتى هنا، يواجه بعض التحديات الروتينية: "إنهم لا يسألون عن الأوراق ولكنهم يطلبون شهادات العمل، أحتاج إلى طاهٍ يقبلني للعمل معه ويمكنه أن يمنحني تصاريح عمل، وبذلك يمكنني التسجيل في المدرسة".
اليوم، تساعد جيوفانا أيوب في تحديث وطباعة سيرته الذاتية للبحث عن وظيفة بمطعم من أي نوع، لكن جيوفانا تعتبر أن حتى هذا قد يكون مشكلة فمن الصعب العثور على شخص مستعد لتوظيفه وتقديم قسائم رواتب عندما لا يتمتع بوضع قانوني بفرنسا.
بينما يعيش حاليًا أيوب من بيع الملابس المستعملة، في غرفة يتقاسمها مع 7 مهاجرين آخرين معظمهم من شمال إفريقيا،على بعد 20 دقيقة فقط سيرًا على الأقدام من شقة جيوفانا.
"يحصل الكثير من الناس على أوراق ؛ يتزوج البعض، والبعض يحصل عليها من خلال العمل، لكنني أرى أيضًا الكثير من الأشخاص هنا لمدة 20 عامًا ليس لديهم أوراق، حقًا هذا العام، رأيت الكثير من الأشياء التي لم أرها من قبل في حياتي، عشت بعض الأشياء التي لم أعشها في حياتي "، يقول أيوب لـ"مهاجر نيوز"، إذ يرفض الشاب العشريني الاستسلام رغم كل التحديات، فهو الآن حريص على عدم إضاعة الوقت، ويختم بابتسامة: "أنا لا أنتظر الحظ، كل يوم أستيقظ بالطاقة والأمل".
مهاجر نيوز 2022