"على طهران وواشنطن اغتنام الفرصة لجعل غير الممكن ممكنا"
٢٩ مايو ٢٠٠٧إذا ما توفرت الرغبة فإن ما يبدو غير ممكن ممكنا، وهذا ينطبق على اللقاء الإيراني ـ الأمريكي الذي تم يوم أمس الاثنين 28 مايو/أيار في بغداد على مستوى السفراء واستمر أربع ساعات. لقد سبق هذا اللقاء محاولات عدة بأت كلها بالفشل، حيث كانت تطرأ دائما بعض المعوقات في اللحظات الأخيرة. كما أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش كان قد وضع شروطا مسبقة لأي لقاء مع الحكومة الإيرانية، لكن طهران لم تكن مستعدة للقبول بها، لذلك ماطل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية على خامينائي، لكنه عاد وأعطى بعد ذلك الضوء الأخضر.
الاتهامات المتبادلة تلقي بظلالها على الحوار
بعد قرابة ثلاثة عقود من الجمود الدبلوماسي بين إيران والولايات الأمريكية، كان لدى كل طرف الكثير مما يريد قوله، لكن طبيعة هذا اللقاء الذي تم في المنطقة الخضراء في بغداد واقتصر على مناقشة الأوضاع في العراق لم تسمح بذلك. فقد كان موضوع اللقاء منصبا على كيفية إنهاء العنف المتفجر بشكل مخيف في هذا البلد. كان من الممكن انتظار الكثير من هذا اللقاء، فيما إذا كانت المناقشات قد جرت دون تبادل الاتهامات بين الطرفين. فطهران تحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية العنف في العراق وتطالب بخروج القوات الأمريكية منه، بينما تتهم واشنطن من جانبها طهران بالتدخل في النزاع الدائر في أرض الرافدين.
المطلوب شيئا من الصدق
وبصرف النظر عن مثل هذه "المناورات"، فإن الطرفين يدركان أنهما بالذات في القضايا الواضحة ذات الاهتمام المشترك ليسا ببعيدين عن بعضهما بعضا: فالإيرانيون مثلهم مثل الأمريكان يريدون عراقا آمنا ومستقرا لا يصدر العنف والاضطرابات إلى الدول المجاورة ومنطقة الشرق الأوسط عموما. عدا ذلك فإن نقاط الاختلاف في وجهات النظر بين واشنطن وطهران كثيرة. إذن فيما يتعلق بطبيعة تطورات الأوضاع في العراق هناك تطابق في وجهات النظر إلى حد كبير، وهذا ليس فقط اعتبارا منذ يوم أمس الاثنين. صحيح أنه قد يكون من الصعوبة بمكان على كل من الطرفين الإقرار بذلك، لكن المطلوب شيئا من الصدق. إذ من الممكن في هذه الحالة ليس مساعدة العراق فحسب، بل وأيضا وضع اللبنات الأساسية لتصفية أو على الأقل مناقشة المشكلات الثنائية القائمة بين الطرفين.
بوش لم يُنصح بشكل جيد
إن المؤشرات على نجاح مثل هذا التوجه تبدو لا بأس بها: فإيران أبدت ميولا للقبول بما يمكن اعتبارها لجنة ثلاثية مع الولايات المتحدة الأمريكية والعراق لمواصلة المحادثات حول المشكلات القائمة في العراق. وحتى لو أن السفير الأمريكي رايان كروكر اعتبر أن مثل هذا الأمر لم يكن موضوع اللقاء وبأن هكذا قرار يجب أن يتخذ في واشنطن، ففي هذه الحالة يكون الأمر واضحا أن الرئيس بوش لم ينصح بشكل جيد للقبول بمثل هذا العرض الإيراني. أما طهران فينبغي عليها من الآن فصاعدا التحلي بالشجاعة الأدبية وتكون عند كلمتها.
الفرصة سانحة لجعل ما هو غير ممكن ممكنا
إن مطالبة وزير الخارجية الإيراني متقي لواشنطن بأن تقر بفشلها في العراق هو بمثابة تحذير أولي بأن الموقف الإيراني قد يكون متذبذبا. كما أن النزاع حول اعتقال أمريكيين من أصل إيراني على الأراضي الإيرانية وقبل ذلك خمسة إيرانيين في العراق من الممكن أن تكون أسبابا كافية لفشل هذا الحوار بين واشنطن وطهران. لكن العكس هو ما ينبغي أن يكون: أي رغم كل هذه المشكلات بين طهران وواشنطن ينبغي على الطرفين اغتنام الفرصة لجعل ماهو غير ممكن ممكنا.