عودة الجدل السياسي والثقافي حول ارتداء الحجاب في ألمانيا
١ نوفمبر ٢٠٠٦نفت النائبة في البرلمان الألماني والمنتمية لحزب الخضر إكين ديليغوز اتهامات الجمعيات الإسلامية بأنها تسعى عن طريق إثارتها الجدل حول الحجاب إلى لفت اهتمام الرأي العام لها وتعزيز شعبيتها. واعتبرت ديليغوز أن انتقاداتها للحجاب ودعوتها إلى خلعه تنبع من دفاعها عن حرية المرأة. ورأت بأن الحجاب يعد رمزا لقمع المرأة ونوعا من الوصاية الرجالية عليها. واعتبرت ديغليوز في حديث لها مع المحطة التلفزيونية الألمانية الأولى ARD أن النقاش المثار حول الحجاب هو نقاش بمنتهى الموضوعية ولا يحمل معاني التحريض أو الإهانة. وفي هذا الإطار دعت للحرص على عدم اصطدام الحرية الدينية للفرد مع حريته في التعبير عن رأيه. كما جددت السياسية ذات الأصول التركية عزمها على مواصلة دفاعها عن حرية المرأة رغم تهديدات القتل التي تلقتها من قبل جماعات متطرفة مجهولة، مضيفة القول إنها ليست خائفة، لأنها تدافع عن شيء ثمين، "إنها الحرية"، حسب قولها. وتخضع إكين ديليغوز منذ تلقيها هذه التهديدات إلى حماية أمنية مستمرة.
حرية الرأي قبل كل شيء
أثارت تلك التهديدات موجة كبيرة من الاستنكار في الأوساط السياسية والاجتماعية في ألمانيا رافقتها حملة تضامن واسعة مع النائبة المسلمة. وفي إطار الجهود المبذولة من أجل وضع حد لتلك التهديدات قامت رئيسة الكتلة النيابية لحزب الخضر في البرلمان الألماني، ريناته كوناست، بعقد مجموعة من اللقاءات مع عدد من ممثلي الجمعيات الإسلامية في برلين أعرب المشاركون فيها عن رغبتهم في حماية مبدأ حرية التعبير والالتزام به. ويسود نوع من الإجماع بين مختلف الجمعيات الإسلامية في ألمانيا والنخبة السياسية والثقافية في البلاد حول ضرورة التقيد باحترام حرية التعبير والقبول باختلاف وجهات النظر لأنها تمثل أحد دعائم المجتمع الديموقراطي الحر. وفي سياق متصل، أكد المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا على لسان أحد أعضائه، منير عزاوي، أنه يقف بجانب ديليغوز، معربا في الوقت نفسه أنه متشبث بضرورة احترام حرية التعبير في ألمانيا، لأنها تعد أمرا بديهيا. غير أن المجلس حرص، رغم تعاطفه مع النائبة البرلمانية ديليغوز، على توضيح موقفه المعارض لدعوتها النساء المسلمات في ألمانيا إلى خلع الحجاب.
احترام الرأي والرأي الآخر
يعد احترام الرأي والرأي الآخر من أهم خصائص وسيمات النظام الديموقراطي وأهم أسس الحوار البناء. فالقبول بتعدد الآراء والترحيب بالنقد ومزاولة النقد الذاتي يعد كذلك جزء لا يتجزأ من تلك القيم التي طالما ناضلت من أجلها المجتمعات الغربية وتسعى إلى الحفاظ عليها. لذا تقبل الساسة والمجتمع الألماني التهديدات التي وُجهت للنائبة البرلمانية بمرارة واستياء شديدين ودفعت بالعديد منهم إلى تجديد تأكيدهم على تلك لقيم. لذا حث وزير الداخلية الفدرالي، فولفغانغ شويبله، مسلمي ألمانيا على تقبل اختلاف الآراء حول دور المرأة. أما الأمين العام للحزب المسيحي الديموقراطي فقد عبر عن رفضه التام لأجواء الكراهية التي تحوم حول النائبة البرلمانية ديليغيوز واعتبر أن كل من يعيش في ألمانيا ملزم بقبول قيم البلد. أما وزير داخلية ولاية بفاريا، بيكشتاين، المعروف بسياسته الصارمة تجاه المتشددين الإسلاميين، فقد أعرب عن استيائه الشديد من هذه التهديدات ووصفها بأنها محاولة لتقييد حرية التعبير.
الحجاب كرمز بحاجة إلى مزيد من التمحيص
لكن تصريحات النائبة البرلمانية وردود الفعل التي خلفتها أحييا الجدل مجددا في ألمانيا حول التسامح والرموز الدينية ومعايير حرية المرأة في المجتمع الألماني. لكن عددا من مسلمي ألمانيا وأوروبا عامة يُبدون تحفظاتهم تجاه هذا الجدل ويعتبرون محاولات منع الحجاب تمييزا ضدهم ووليد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. في خضم هذا الجدل تحاول بعض الفتيات المسلمات التأكيد على أن ارتدائهن للحجاب لم يأت نتيجة ضغوط أو قمع يتعرضن له. وتؤكد إحدى الفتيات المسلمات من مدينة برلين في هذا الصدد أنها مرت بعدة فترات في حياتها كانت ترتدي خلالها الحجاب وتخلت عن ارتدائه في فترات أخرى، غير أنها ترتديه اليوم عن قناعة ذاتية وبمحض إرادتها لأسباب عقائدية. أما بالنسبة لفتاة مسلمة أخرى فلا يتعدى الحجاب بالنسبة لها كونه رمز ديني، فهو يمثل جزءا من الحرية ويخول لها حرية التحرك دون إزعاج خارج دائرة المحيط الأسري. ونفت تلك الأحكام المسبقة التي تدعي أن المرأة المسلمة لا تواكب موضة العصر، مشيرة إلى أن عددا كبيرا من الفتيات المسلمات في أوروبا يرتدين آخر ما أنتجته دور الازياء المشهورة.
ويظل واضحا أن موضوع الحجاب، في ألمانيا وأوروبا، يحتاج إلى مزيد من الحوار الداخلي بين الجالية المسلة المقيمة هناك والفاعلين السياسيين والاجتماعيين والنخب الثقافية الأوروبية لإجراء حوار بناء وشفاف يتخذ من مبادئ حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان والقبول بتعدد الآراء منطلقا له نحو إزاحة الشكوك والمخاوف المتبادلة ورسم أسس التعايش السلمي.