فرنسا - سياسة جديدة للهجرة تثير انتقادات المجتمع المدني
١١ أكتوبر ٢٠٢٤على خلفية التصريحات والإجراءات التي أعلن عليها وزير الداخلية الجديد، برونو ريتايو، في الأيام الأخيرة عبرت الأمينة العامة لجمعية "لا سيماد" (la Cimade)، فانيلي كاري-كونت عن أسفها لتصريحاته مشيرة إلى أن "التصعيد القمعي سيقودنا إلى طريق مسدود". كما أكدت أن "السياسات القمعية تنظم السرية للمهاجرين الذين لا يطمحون إلا للعمل لكسب عيشهم".
كما اعتبر برونو ريتايو أن مهام الجمعيات في مراكز الاحتجاز الإداري تندرج تحت مسؤولية الدولة، ويعتزم بذلك تقليص دورهم أمام المهاحرين الذين ينتظرون الترحيل، مشيرا إلى رغبته في تكليف المكتب الفرنسي للهجرة والإدماج (OFII) بالقيام بمهام الجمعيات في مراكز الاحتجاز الإداري، وهو هيئة تخضع لرقابة الدولة. فعلى الرغم من تلقي الجمعيات الدعم من الدولة بمبلغ إجمالي مليار يورو بحسب وزير الداخلية، هناك طعون قانونية ضدها.
وانتقد، كذلك، الوزير جمعيات مثل " لا سيماد"( la Cimade) أو فرنسا أرض اللجوء (France terre d'asile) التي تُكلف بتقديم المشورة القانونية للأجانب في انتظارالترحيل والتي غالبًا ما تفعل كل ما في وسعها لمنع ترحيلهم، على الرغم من أنها مُفوضة من قبل الدولة. وقال ريتايو "إنهم قضاة وخصوم في نفس الوقت".
كما أعلن برونو ريتايو عن نيته إعادة فرض جريمة الإقامة غير النظامية، وتمديد فترة الاحتجاز في مراكز الأجانب غير النظاميين إلى سبعة أشهر، بالإضافة إلى تعزيز عمليات التفتيش على الحدود "خصوصًا في النقاط الحيوية". كما أعرب رغبته في تقليص الحقوق الاجتماعية للمهاجرين بهدف "تقليل الجاذبية". وهو منطق ترفضه العديد من الجمعيات العاملة على الأرض، خاصةً وأن فرنسا قد سنت حوالي ثلاثين قانونًا في غضون 40 عامًا لتشديد شروط الدخول.
وقال ريتايو، إن فرنسا "سخية للغاية دون تلقي أي مقابل"، في إشارة إلى أن بلاده منحت المغرب في عام 2023 عددًا قدره 238,750 تأشيرة، لكنها حصلت على "725 وثيقة مرور فقط". أما الجزائر فقد منحت 205,853 تأشيرة، لكنها "قبلت عودة 2,191 من مواطنيها فقط"، حسب تعبيره.
حاجة لسوق العمل
ترى جمعيات مساعدة المهاجرين أن هناك طرقا أخرى للتعامل مع هذا الوضع، والدليل على ذلك الأزمة الأوكرانية: فقد تم استقبال أكثر من 100,000 نازح أوكراني في غضون أشهر قليلة، وتم منحهم وضع اللاجئ المؤقت في وقت قياسي، مما سهل اندماجهم، وفقًا للجمعيات.
وقالت مديرة أبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) كاثرين ويتول دو ويندن حسب وكالة الأنباء الفرنسية، إنه "يجب التخلص من النفاق" مضيفة أن "الهجرة قضية اجتماعية، تتعلق بسوق العمل وحقوق الإنسان، وترتبط بالوضع الديموغرافي". وتذكر الخبيرة في الهجرة الأوروبية حاجة الدول للعمالة.
من جهتها أشارت الأمينة العامة لجمعية "لا سيماد" إلى أنه في غياب الأوراق، يتم حصر المهاجرين في وظائف غير مستقرة وغير معلنة. مؤكدة أنه بدون عقود عمل، لا يمكنهم العثور على سكن طبيعي ويتم اتهامهم بإشباع ملاجئ الطوارئ"
كما دعا رئيس منظمة أرباب العمل (Medef)، باتريك مارتن، إلى عدم نسيان "البعد الاقتصادي والديموغرافي" في النقاش حول الهجرة، حيث يقدر أن فرنسا ستحتاج إلى 3,9 مليون مهاجر في سوق العمل بحلول عام 2050.
" الهجرة ظاهرة مألوفة"
في عام 2023، بلغ عدد المهاجرين في فرنسا 7,3 مليون شخص (أشخاص ولدوا أجانب في الخارج)، أي ما يعادل 10,7% من السكان، وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (Insee). وفي نفس الفترة، سجل المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (Ofpra)، المسؤول عن دراسة طلبات اللجوء للأشخاص الفارين من الاضطهاد في بلدانهم، 142,500 طلبا، وهو الرقم الأعلى الذي تم تسجيله على الإطلاق.
في هذا الإطار قال ماثيو تارديس، المدير المشارك لمركز أبحاث "التآزر في الهجرة" (Synergies migrations) وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "المهاجرين الذين يسلكون طريق المنفى يعرفون المخاطر القاتلة التي يواجهونها، لكنهم يفعلون ذلك لأن لديهم أسبابًا قوية".
وأضاف "الهجرة ليست ظاهرة استثنائية، بل على العكس هي مألوفة للغاية ولن تتوقف. فمن الطبيعي أن تتحقق دولة ذات سيادة من هوية الأشخاص الموجودين على أراضيها، ولا أحد يعترض على ذلك. لكن إذا كانت سياسة الهجرة تهدف إلى منع الناس من الاستقرار، فهذا بالضرورة يؤدي إلى الفشل".
ويشير تارديس ، كذلك ، إلى أن هذه القضايا هي من مسؤوليات المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج (Ofii)، الذي يخضع لوصاية وزارة الداخلية.
من جهته، أكد المدير العام لمنظمة "Singa " وهي منظمة غير حكومية تعمل على إدماج اللاجئين والمهاجرين في الحياة العملية، والمرشح الاشتراكي السابق للرئاسة بينوا هامون، في وقت سابق، "على أهمية "وجود نهج وزاري شامل يسهم في تسهيل تسوية أوضاع المهاجرين عبر العمل، وتقليل فترات دراسة الملفات الإدارية في مكاتب المحافظات، والتعامل مع معادلة الشهادات أو مشاكل الإسكان".
ملف الهجرة بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية
بعد تصريحات وزير الداخلية برونو ريتايو المثيرة للجدل، أكد رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، أمس الخميس على قناة "France 2" أنه من يحدد الخط العام بشأن الهجرة، و"ستكون هناك إجراءات صارمة للسيطرة عليها".
كما بدا أن رئيس الوزراء يستبعد فكرة قانون جديد بشأن الهجرة، كما طالبت بذلك زعيمة نواب التجمع الوطني مارين لوبان. وقال: "لن أعلن عن قوانين مسبقًا"، لكنه أضاف "ربما ستكون هناك تغييرات في القانون إذا كان ذلك ضروريًا".
وأوضح قائلاً "لقد قمنا بالتشريع (في كانون الأول/ديسمبر 2023)، وسنطبق القواعد للسيطرة بشكل أفضل على الهجرة، واستقبال من نرغب في استقبالهم ومن لهم الحق في اللجوء لدينا لأنهم لاجئون". كما أضاف بارنييه قائلا "لن أشارك في مناقشات أيديولوجية كبرى".
وعند سؤاله عن المساعدة الطبية الحكومية (AME) التي تسمح لغير الحاملين للأوراق القانونية بالحصول على الرعاية الطبية، وهي آلية يرغب برونو ريتايو في تقليص نطاقها، اعتبر أنه "يمكن إدارتها بشكل أفضل". وأضاف "إنه موضوع أوسع، وسنرى الأمور بهدوء حتى يحصل من له الحق في الحصول عليها".
مرفت الشقطمي