فريدرش انجلز: مشعل من مشاعل الفكر الاشتراكي
ولد المفكر والسياسي والمؤرخ الألماني فريدرش إنجلز في 28 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1820 في مدينة بارمن (في بروسيا) التي تقع اليوم ضمن حدود مدينة فوبرتال. وكان إنجلز الابن البكر لأحد أصحاب مصانع النسيج الملتزمين دينياً. زار الصبي فريدرش المدرسة الابتدائية في المدينة التي ولد فيها، ولكنه انتقل فيما بعد الى مدينة ايلبرفيلد لمتابعة دراسته الثانوية التي تركها مبكراً بناء على رغبة والده عام 1837، وذلك من أجل المساعدة في إدارة شؤون والده التجارية في بارمن. ولكنه لم ينقطع عن تثقيف نفسه علمياً وسياسياً. بعد ذلك، أتى عام 1841 بمنعطف جديد في حياة إنجلز، إذ توجب عليه تأدية الخدمة العسكرية في برلين لمدة سنة واحدة. المدينة الكبيرة فتحت له أفاقا واسعة للإطلاع على مذهب الفيلسوف الألماني هيغل الذي كان فكره طاغياً في تلك الفترة. إذ كان إنجلز يقصد الجامعة في برلين من أجل الاستماع للمحاضرات التي تتحدث عن أسس ذلك الاتجاه الفلسفي الذي كان مسيطراً على الفلسفة الألمانية. وهكذا أصبح إنجلز من أتباع هيغل. في عام 1842 شد إنجلز الرحال الى مدينة مانشستر، عبر مدينة كولونيا، حيث التقى للمرة الأولى بكارل ماركس الذي كان يعمل في صحيفة "راينشة تسايتونغ".
معاناة الطبقة العاملة
قصد إنجلز مدينة مانشستر، حيث تعرف على البروليتاريا (الطبقة العاملة) في هذه المدينة التي كانت تعد من مراكز الصناعة الإنجليزية، وذلك من أجل العمل في مؤسسة تجارية كان أبوه يملك مساهمات فيها. وهناك لم يكتفِ إنجلز بالعمل في مكتب بسيط، بل تعرف على بؤس العمال من خلال تجواله المستمر في الأحياء القذرة التي كان يقطنها العاملون. مما دعاه الى تغيير قناعاته السياسية بل وتغيير حياته الى الأبد. وخلال السنوات اللاحقة حاول إنجلز جمع أكبر كمية مطلوبة من الوثائق والمعلومات عن حياة العمال ولم يأت عام 1845 حتى أصدر كتابه "حالة الطبقة العاملة في انجلترا" مثقلاً بمأساة تلك الطبقة بعد عودته الى ألمانيا. الجدير بالذكر أن الكثير من الكتاب حاولوا قبل انجلز التطرق الى معاناة البروليتاريا (الطبقة العاملة) وأكدوا على ضرورة تقديم يد العون لها، إلا أن إنجلز كان أول من أثبت أن معاناة البورليتاريا ووضعها المادي المتدهور يدفعانها الى الأمام ويحفزاها على تحررها النهائي. كما رأى إنجلز في كتابه أن الحركة السياسية للطبقة العاملة ستقودها حتما الى أن تدرك أنه ليس هنالك من مخرج أمامهم سوى الاشتراكية. كما يقول إنجلز في كتابه إن الاشتراكية لن تصبح قوة إلا عندما تصبح الهدف لنضال الطبقة السياسية العاملة. من اللافت للنظر أن الكثير من المفكرين وجدوا في كتاب إنجلز صكاً للاتهام ضد الرأسمالية والبرجوازية. إضافة إلى هذا الكتاب كان إنجلز يكتب في المنشورات الاشتراكية الانجليزية بعد أن أقام علاقات مع أعضاء حركة العمال الإنجليزية في مانشستر.
"العائلة المقدسة أو انتقاد النقد"
عندما عاد إنجلز إلى ألمانيا عام 1844 وأثناء مروره بباريس التقى بماركس مرة أخرى. يشار إلى أن إنجلز لم ينقطع عن مراسله ماركس الذي غدا هو الآخر اشتراكياً أيضا نتيجة احتكاكه بالاشتراكيين الفرنسيين. وهناك قام الصديقان معاً بتأليف كتاب "العائلة المقدسة أو انتقاد النقد". وفي هذا الكتاب حاول الكاتبان أن يضعا أسس الاشتراكية المادية الثورية. أما تسمية "العائلة المقدسة" فهي تسمية هزلية للفيلسوفين باور الذين كانا ينظران الى البورليتاريا على إنها جماعة مجردة من كل تفكير انتقادي.
عصبة الشيوعيين
أقام انجلز في الفترة الممتدة من عام 1845 الى عام 1847 في بروكسل وباريس وربط دراسته العلمية بالنشاط العملي بين العمال الألمان في هذين المدينتين. وعمل في هذه الفترة مع ماركس على إقامة علاقات مع المنظمة الألمانية السرية "عصبة الشيوعيين" التي أخذت على عاتقها نشر المبادئ الأساسية للاشتراكية. إذ صدر في عام 1848 بيانهما المشهور بـ"بيان الحزب الشيوعي". وبعد اندلاع ثورة 1848 في فرنسا أولا ثم سرعان ما امتدت الى بلدان أوروبا الأخرى، قرر ماركس وإنجلز العودة الى ألمانيا حيث عملا في صحيفة "نويه راينشه تسايتونغ" وهناك حاولا الدفاع المستميت عن مصالح الشعب والحرية، غير أن الأمر لم يرق للأوساط الحاكمة آنذاك، الأمر الذي أدى الى إغلاق الصحيفة.
صداقة حقة
عاد انجلز بعد ذلك إلى مانشستر للعمل في نفس الشركة التي عمل بها سابقاً. وحتى سنة 1883 كان الصديقان يتواصلان في تبادل الأفكار والآراء من خلال الرسائل المتبادلة بينهما، إذ كانا يتابعان معاً صياغة الاشتراكية العلمية. وكانت تلك الفترة زاخرة بالنشاط الفكري لإنجلز، إذ لم تنتهِ تلك الفترة بوفاة ماركس عام 1883 حتى أصدر إنجلز عددا من المؤلفات، أما ماركس فقد أصدر كتابه "رأس المال" الذي ترجم إلى جميع لغات العالم. وبعد وفاة ماركس تولى إنجلز نشر مؤلفات صديقه وتدقيق ترجماتها. توفي انجلز في لندن في 5 آب/أغسطس عام 1895
مؤلفاته وترجماته الى العربية
ألف إنجلز الكثير من الكتب، نذكر منها: رسائل من فوبرتال (عام 1839)، أسس الشيوعية (عام 1847)، الثورة والثورة المضادة في ألمانيا (عام 1851)، جيوش أوروبا (عام 1855)، دياليكتيكية الطبيعة (عام 1886)، دور العنف في التاريخ (عام 1888). كما تجدر الإشارة إلى أن العديد من مؤلفاته قد تم ترجمتها الى العربية، نذكر منها: البيان الشيوعي، صدر عن دار دمشق في سوريا عام 1972. الشيوعية العلمية، ترجمه فؤاد أيوب وصدر عن دار دمشق للطباعة والنشر عام 1972. العائلة المقدسة أو نقد النقد، ترجمه حنا عبود وصدر عن دار دمشق.
عماد مبارك غانم