في كابول.. أفغان عملوا لصالح ألمانيا في انتظار نداء الأمان
٢٣ أغسطس ٢٠٢١بداية هذا الأسبوع، في قبو مزدحم في كابول، تمكن سبعة رجال من النجاة بعد لعبهم أدوار سيناريو لا يخطر على بال: تظاهر أحدهم بأنه من مقاتلي حركة طالبان، واضطر الآخرون إلى إقناعهم بأنهم طلاب، وليسوا أشخاصاً قضوا سنوات في العمل لصالح جيش ألمانيا.
قال أحدهم في تصريحات لـ DW عبر الهاتف "لقد مثلنا دورنا للنجاة وقلنا: نحن ندرس هنا". كان عليهم أن يكونوا مثاليين في تشخيص الدور في محاولتهم اليائسة لإنقاذ أنفسهم.
مثل عدد كبير من الأفغان، كان هؤلاء الرجال مرعوبين من قوات طالبان التي اجتاحت أفغانستان واستولت على العاصمة كابول. ومع تقدم الجماعة المتشددة، اختبأ عدد لا يحصى من الرجال والنساء وعائلاتهم خوفًا على حياتهم: من بينهم مترجمون فوريون وطهاة وسائقون خدموا حكومات أجنبية ومنظمات إغاثة دولية.
قال أحد الرجال الذين تمكنوا من إقناع عناصر حركة طالبان أنه منهم لـ DW أن "المسلحين قد يطرقون باب منزلي في أي لحظة، أعتقد أنهم يبحثون عني"، بعدها فر إلى كابول أثناء هجوم طالبان على منطقته، وطلب من عائلته وأصدقائه إتلاف أي صور ووثائق قد تربطهم به.
الأمان.. صعب المنال!
مع سقوط كابول في أيدي طالبان نهاية الأسبوع الماضي، سارعت الحكومات الأجنبية لإجلاء مواطنيها. ومع ذلك، ظل آلاف الأفغان الذين عملوا مع القوات الدولية ومنظمات الإغاثة محاصرين في كابول، غير قادرين على الوصول إلى المطار.
في جميع أنحاء العاصمة، كانوا ينتظرون نداء أمان عبر الهاتف، بعد أن سيطرت الولايات المتحدة على المطار الدولي، مما سمح بوصول المزيد من رحلات الإجلاء. لكن الرحلة الألمانية الأولى أجلت سبعة أشخاص فقط بسبب "الظروف الفوضوية في المطار" ، بحسب مسؤولين في برلين.
في وقت لاحق من يوم الثلاثاء الماضي (17 آب/أغسطس)، نقلت طائرة ثانية 125 راكبًا إلى أوزبكستان، تلتها طائرة ثالثة بعد فترة وجيزة. أعلن المسؤولون أنه سيتم تنظيم المزيد من الرحلات، حيث تخطط القوات الجوية الألمانية لبناء جسر جوي خارج أفغانستان.
وصلت DW إلى رجل قضى 20 عامًا في العمل لصالح الجيش الألماني، وبعدما عمت الفوضى بوصول طالبان كان يختبئ في قبو مع عائلته. كان اسمه مدرجًا ضمن قائمة أعدتها وزارة الخارجية الألمانية للأشخاص الذين سيتم إجلاؤهم، وكان في انتظار استدعاءه ليشق طريقه نحو المطار. قال "أخبرونا أنهم سيتصلون بنا غدًا أو بعد غد، لكن علينا أن نصل إلى المطار اعتماداً على أنفسنا".
تسبب له هذا الموقف بالرهبة، وقال إنه لا يعرف ما إذا كانت عائلته ستنجح في الوصول بأمان إلى المطار وتنجو من هذا الوضع الخطير. كان متردداً حول ما إذا كان سيستقل سيارة أجرة أو يطلب من صديق موثوق به أن يصطحبه هو وعائلته إلى هناك، لكن الأكيد أنه لم يضمن ما إذا كان بإمكانهم الوصول إلى المطار في أمان. كثيرون، لم يتم إدراجهم في القائمة على الإطلاق، على الرغم من عمل فرد من أسرهم لصالح الحكومة الألمانية لسنوات.
برلين تشتعل على حين غرة
تعرضت السلطات الألمانية لانتقادات بسبب تعاملها البيروقراطي المفرط مع طلبات التأشيرة. قال الأفغان إن المتقدمين لطلب الحصول على تأشيرة، اضطروا إلى القيام برحلات خطرة إلى كابول للتقدم بطلب، حيث لم يتم فتح المكتب الذي وُعد به للبت في الطلبات في مزار الشريف أبدًا، بسبب المخاوف الأمنية، وفقًا للمسؤولين.
تم إغلاق قسم التأشيرات في السفارة الألمانية في كابول منذ عام 2017، عندما كان هدفًا لهجوم بقنبلة. كانت المكاتب التي تبت في طلبات أولئك الذين عملوا لصالح الحكومة ستدار من قبل المنظمة الدولية للهجرة. ويبدو أن الأشخاص الذين عملون مباشرة مع الجيش أو الحكومة هم فقط من يحق لهم الحصول على تأشيرة.
اعترف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بأن الحكومة وأجهزة المخابرات والمجتمع الدولي "فشلوا في تقييم الوضع بدقة" وقللوا من شأن سرعة تقدم حركة طالبان في السيطرة على البلاد.
لم يدخل أي من الرجال في القبو في قائمة الإجلاء الألمانية. لقد صرحوا لـ DW أن أحد الرجال حاول مرارًا وتكرارًا الاتصال بالجيش الألماني، فقط للوصول إليهم عبر الهاتف، لكن "لم يراسلنا أحد لا عبر البريد الإلكتروني ولا غيره، لم يتصل بنا أحد".
زود الرجل الأفغاني DW بالرقم الذي حاول الاتصال به دون جدوى. يوم الأربعاء، تمكنت DW من الاتصال بالرقم وردت امرأة على الصحفي وطلبت منه أن يقطع الاتصال قائلة "ليس لدينا وقت لهذا".
كما حصلت DW على نسخ من خطابات التوصية التي تلقاها الرجل الأفغاني المختبئ حالياً في القبو، بما في ذلك "شهادة تقدير" مختومة وموقعة لخدماته المتميزة في مكتب ميداني تابع لإدارة الدفاع الألمانية.
ومع كل هذا، لم يتلق الرجل أي رد، "كنا نعمل كالأصدقاء، عندما احتاجوا إلى مساعدتنا، ساعدناهم". وقال "طُلِبَ من الأفغان الانتظار وأخبرونا أنه لا يمكننا التقدم للحصول على تأشيرة من دولة ثالثة". "لقد أجلوا وتأخروا لأشهر، بينما كان من الممكن أن نفعل شيئًا خلال هذا الوقت، مثلا نذهب إلى مكان ما أكثر أمنا".
عبر الرجل الأفغاني عن غضبه الكبير خلال المكالمة، وأوضح في اتصاله مع DW، أنه كان مشوش الفكر بخصوص إتلاف وثائقه التي تثبت أنه عمل مع الجيش الألماني، خشية أن تجدها طالبان، لكنه في الوقت ذاته كان خائفاً من أنه قد لا يكون قادرًا على إثبات هويته للألمان.
الخوف من الأسوأ!
قال متحدث باسم طالبان إن الجماعة لن تسعى للانتقام، هذا بالتأكيد يتناقض تماماً مع التقارير التي تفيد بأن المسلحين كانوا يقتحمون منازل الأشخاص المعروف أنهم عملوا مع حكومات أجنبية ومنظمات إغاثة، بما في ذلك منازل ثلاثة من موظفي DW المحليين.
لم يصدق أي شخص تحدثت إليه DW مزاعم طالبان، وقال الشخص الذي أمضى 20 عاماً يعمل لصالح الجيش الألماني "يقولون ذلك للإعلام وفي اليوم التالي يفعلون العكس". هذا الرجل مسلم متدين، بحسب من عملوا معه، مواظب على الصلاة وملتزم، لكنه كان يخشى على حياته في ظل حكم طالبان.
خلف الكواليس، يتفاوض دبلوماسيون ألمان رفيعو المستوى حول ممر آمن لموظفيهم المحليين إلى المطار. بينما يعيش هذا الشخص وأسرته رعباً من فكرة أن تقتل طالبان أحدهم أو جميعهم انتقاماً.
في تصريحاته لـ DW من مخبأه قال "لم أفعل أي شيء خاطئ، أردت فقط إطعام أسرتي، لم أؤذي أحداً". وأضاف أنه كان "خائفًا للغاية" ومزال هو وعائلته في انتظار المكالمة الهاتفية التي ستقودهم إلى بر الأمان.
ساهم في هذا التقرير جوليا باير وإستير فيلدن ولويس ساندرز ونينا ويرخويزر.
الكاتب: نعومي كونراد ، مسعود سيف الله ، بيرجيتا شولكه جيل
DW
ترجمة: ماجدة بوعزة