لبنان ـ لا مخرج من الأزمة في الأفق
١٧ يونيو ٢٠٢٠ناقش أولا الوضع مع ممثلين ساميين لسلطات الأمن مساء الاثنين (15 حزيران/ يونيو 2020) ثم ظهر الرئيس اللبناني ميشال عون حازماً أمام الرأي العام. "هذا النوع من أعمال التخريب لن يتم السماح بحصوله"، كما أعلن عون. وأوضح أن هناك "حاجة إلى موجة من الاعتقالات"، وأنه أصدر التعليمات للسلطات الأمنية لتقوية العمليات "الوقائية" لتفادي مزيدٍ من العنف. وحتى رئيس الوزراء حسان دياب اتخذ موقفاً واضحاً من المظاهرات التي جمعت العديد من اللبنانيين نهاية الأسبوع المنصرم في عديد من مدن البلاد. لقد حصلت "عمليات تخريب" بإيعاز من "بلطجيين" بين المتظاهرين. "هؤلاء البلطجيون ليس لهم هم آخر إلا التخريب. فوجب الزج بهم في السجون"، كما ورد في بيان من مكتب رئيس الوزراء.
غضب المتظاهرين
الخطابات الجماهيرية الأخيرة تقود المظاهرات التي يقوم بها العديد من اللبنانيين في الشارع منذ الخريف الماضي ضد الحكام. وغضبهم لم تهدئه استقالة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري نهاية أكتوبر 2019.
"في البداية ركزت الاحتجاجات حصراً على قضايا سياسية"، تقول بينته شيلير، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مؤسسة هاينريش بول متحدثة لـ DW . "وعلى هذا النحو يتظاهر الناس مثلا ضد الفساد ومن أجل الشفافية". لكن عندما تدهور الوضع الاقتصادي أكثر، اختلطت بشكل متزايد قضايا اجتماعية في الاحتجاجات. "في هذه الأيام يسود الغضب من أن الحكومة ضيعت فرصة إطلاق اصلاحات. والكثير من اللبنانيين ينظرون إلى الحكومة باعتبارها عاجزة وغير قادرة وبالتالي هم غاضبون".
انهيار الاقتصاد
وتعاظم غضب المتظاهرين أكثر عندما سجلت الليرة اللبنانية انهياراً دراماتيكياً في قيمتها. فمنذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي فقدت 60 في المائة من قيمتها. وفي الأسبوع الماضي وصلت إلى مستوى متدنٍ جديد: فلأول مرة يُدفع مقابل الدولار الواحد 5000 ليرة لبنانية. هذا التضخم يسبب للحكومة مشاكل كبيرة. فمنذ آذار/ مارس أعلنت بأنها غير قادرة على دفع قروض حكومية. وفي نهاية نيسان/ أبريل طلبت الحكومة بعدها من صندوق النقد الدولي المساعدة. والمحادثات ماتزال جارية. وصندوق النقد الدولي ينطلق من أن الاقتصاد اللبناني المثقل جداً بفيروس كورونا سيتقلص هذا العام بمعدل 12 في المائة.
فقر السكان
ويسير التضخم مع زيادة فقر كبيرة للسكان. ففي لبنان يوجد منذ مدة طويلة فجوة كبيرة بين الأثرياء والفقراء، كما تقول بينته شيلير. "والطبقة الوسطى ضعيفة منذ مدة، وهي بالتحديد يطالها التدهور الاقتصادي بقوة وتهدد من جانبها بالانهيار". ويعيش منذ الآن حسب معطيات رسمية حوالي 45 في المائة من المواطنين تحت عتبة الفقر. ويشكو كثير من اللبنانيين من أنهم بسبب ارتفاع الأسعار باتوا غير قادرين على ضمان قوت عائلاتهم.
قانون قيصر وعواقبه
وتشد الأجواء تسخيناً إضافياً من خلال "قانون قيصر"، وهو عبارة عن حزمة عقوبات أمريكية ضد سوريا تدخل مرحلتها الأولى حيز التنفيذ الاربعاء (17 حزيران/ يونيو) الجاري. وحزمة العقوبات الأمريكية مسماة تبعا لاسم مستعار لهارب من الجيش السوري هرَب عشرات الآلاف من الوثائق المصورة عن جرائم نظام الأسد إلى الخارج. وهذه الحزمة لا تتطلع رسمياً إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد، لكنها موجهة أيضا ضد مؤسسات وعناصر متنفذة في النظام السوري. وتشمل سلسلة كاملة من العقوبات من شأنها التأثير على الاقتصاد السوري. وفي صلب العقوبات توجد أربعة قطاعات: النفط والغاز والطائرات العسكرية ومجال البناء والهندسة.
وهذا له تأثير أيضا على لبنان المجاور الذي يبقى تاريخه السياسي والوطني مرتبطا بسوريا والذي يجسد فيه حزب الله المتحالف مع الأسد عامل قوة من الناحيتين السياسية والاقتصادية. والعديد من اللبنانيين يديرون علاقات تجارية مختلفة مع سوريا، كما تقول بينته شيلير.
وقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عدة عقوبات ضد النظام السوري، لكن جزء من الصفقات الاقتصادية،على الأقل، يتم عبر بنوك لبنانية. كما أن العديد من البضائع تجد طريقها عبر التهريب إلى سوريا، كما أن المزارعين اللبنانيين يصدرون كثير من البضائع إلى البلاد المجاورة. "وبما أن سوريا تفرض رسوماً جمركية عليها، فإن هذه الصادرات تُعد دعماً للنظام"، كما تشرح شيلير.
بارقة أمل؟
وعلى المدى البعيد يمكن لحزمة العقوبات الأمريكية أن تطلق تطوراً سياسياً في لبنان لا تقوى عليه البلاد بقوتها الذاتية، كما يعتبر المؤرخ مكرم رباح من الجامعة الأمريكية في بيروت في مقال للموقع الالكتروني لقناة "العربية".
ويعتقد رباح أن الحكومة الحالية التي يدعمها حزب الله الشيعي "لن تجرؤ على قطع حبل الإنقاذ الذي يربط نظام الأسد بحزب الله". وهذان الطرفان "مسؤولان في المقام الأول عن التهريب بين البلدين". لكن بالنسبة لكثير من اللبنانيين لا تجسد حزمة العقوبات الأمريكية وسيلة عقابية، بل يمكن على المدى الطويل أن تحمي البلاد بشكل أفضل من سطوة حزب الله و"النخبة السياسية".
وعلى كل حال فإن الوضع الاقتصادي في لبنان سيزداد تأزماً ليس بسبب العقوبات الجديدة ضد سوريا فحسب، وبهذا السياق ترى الخبيرة شيلير أنّ أي أصلاحات لم تحصل إلى حد الآن ، الأمر الذي سيزيد من الغضب" الجماهيري.
كرستين كنيب/ م.أ.م