لبنان: "موضة" شيوع المخدرات بين الشباب ودور حكومي شبه غائب
٣ فبراير ٢٠١٢المخدرات في لبنان – متوفرة كأي سلعة عادية أخرى تتداول في السوق، وقد أصبحت – بدون مبالغة –جزءً من طقوس تدخين النرجيلة لدى كثير من الشباب والفتيات، أو حتى في فناجين مشروب "المتّة". الإقبال على المخدرات يعتبر أحدث الظواهر في المجتمع اللبناني، وقد باتت، كما يؤكد معظم الشباب المدمنين والجمعيات التي تكافح هذه الظاهرة، أزمة تعود أسبابها إلى انحلال العائلة والقيم، وتحول لبنان تدريجياً إلى مجتمع استهلاكي.
ويقول كريم، البالغ من العمر 20 عاماً، إن تعاطي المخدرات سهل هذه الأيام، خاصة في ظل السعر المنخفض نسبياً لمادة الهيروين، التي يصل ثمن الغرام الواحد منها إلى 20 ألف ليرة لبنانية (حوالي 10 يورو). ويضيف أن ما يحفزه أيضاً على تعاطي المخدرات مكانته أمام أقرانه، فعندما يأخذ معهم "الزيح" يزداد حظوة لديهم. ويشير كريم إلى أنه يساير الموضة ليس إلا، ويسعى لتقليد رفاقه وبعض الفنانين الذي ذاع صيتهم في هذا المجال.
من جهته يتحدث شادي، البالغ من العمر 29 عاماً، الذي تعافى من إدمان المخدرات، عن تجربته مع هذه المواد، التي خبر أنواعاً عديدةً منها. ويؤكد أن تعاطي المخدرات في هذا البلد يبدأ بسبب الأحوال الصعبة في حالة الفقراء، فهم بحاجة إلى تناسي هذه الأوضاع. ثم تبدأ سلسلة لا تنتهي من الإدمان على مواد لا تخطر على بال، لتشمل المبيدات الكيميائية وأنواعاً أخرى أكثر خطورة.
المدمن مريض وليس مجرماً
أمّا عن نظرة المجتمع المحلي والقانون للمدمن، فهي في غاية السلبية، إذ يقول شادي إن "المجتمع يرى المدمن كمجرم يجب أن يعاقب ويزجّ به في السجن، والقانون لا يرحم، في ظل عدم تفهم حوافز الأشخاص وخلفيتهم، وعدم وجود إطار قانوني متقدّم في البلاد يساعد المدمن بشكل يجعله يتخلى عن التعاطي. فالمدمنون يطالبون بالنظر إليهم كأشخاص لديهم الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية والصحية ويحتاجون إلى الدعم الكاف للتخلص من أزمتهم".
وتشمل المخدرات الأكثر استهلاكاً في لبنان الهيروين والكوكايين، إضافة إلى العقاقير المهدئة مثل "دولسانا" و"ترامال". وقد يلجأ المدمنون إلى سبل عديدة لوضع أيديهم على القليل من هذه المواد، ما يدخلهم في دوامة لا تنتهي من الجرائم والسرقة بهدف الحصول على ما يكفي من المال لشراء المخدرات. هذا ما أدى مؤخراً إلى ارتفاع ملحوظ في عدد السرقات من صيدليات بيروت، التي يقوم بها مدمنون عاجزون عن دفع ثمن المخدر، ويضطرون إلى اللجوء لسرقة المهدئات التي تساعدهم على تخفيف وطأة الألم. لكن ذلك غالباً ما يضع المدمن في خانة المطلوبين للعدالة، لينتهي به الأمر في السجن لمدد طويلة، خاصة في ظل عدم وجود ملف وأدلة كافية وإطار قانوني فعّال.
وهنا يبرز دور المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية، التي تسعى لمساعدة المدمنين وتأهيلهم ومحو آثار الإدمان عنهم، وذلك على أصعدة مختلفة انطلاقاً من مراكز إعادة التأهيل المنتشرة في لبنان. واللافت أن عدد الجمعيات المعنية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهي تعاني عدة أمور أهمها المعايير المهنية في إدارة عملية التأهيل، والنقص في الدعم المادي، وغياب كبير لدور الدولة في هذا المجال.
الرقابة غائبة وعدد مراكز التأهيل غير كاف
حول ذلك يقول جرار شرفان، رئيس جمعية سعادة السماء، التي تدير مركز "قرية الانسان" لإعادة التأهيل: "الوصول السهل إلى المخدر في لبنان ساهم في تزايد عدد المدمنين بشكل مخيف. في هذه المنطقة بالذات تستطيع أن تصل إلى 10 تجار يمكنهم بيعك المخدرات من خلال خدمات التوصيل، في ظل غياب الرقابة الرسمية".
ويضيف شرفان أن المؤسسات الأمنية "تلقي القبض على المتعاطين بشكل عشوائي. ونرى من بينهم كثيراً ممن كانوا غير مدمنين، وبعد دخولهم السجن أصبحوا من المتعاطين، بالإضافة إلى انحرافهم جنسياً. زد على ذلك تفاقم وضع المدمنين أصلاً والوفيات الناجمة عن الجرعة الزائدة داخل السجن، مما يعكس مستوى الفساد وسوء الإدارة في هذه المؤسسة الحكومية، التي تلقي القبض أيضاً على المراهقين والأحداث لتضعهم في هذه البيئة غير الصالحة".
وفي هذا السياق تعمل المؤسسات المعنية بتأهيل المدمنين بشكل فردي أو جماعي لمساعدة المتعاطين، فقد بادر تكتل المنظمات الأهلية في لبنان مؤخراً بتقديم مشروع قرار لتعديل وضعية المدمن القانونية، بحيث يوصف بالمريض بدل المجرم. ولا يزال هذا المشروع محل نقاش في مجلس النواب تمهيداً للموافقة عليه، إلا أنه في حكم المعلّق في ظل الأزمة السياسية في البلاد.
وتحصل هذه الجمعيات والمراكز على دعم من وزارة الشؤون الاجتماعية، التي توفر بعض المخصصات المالية لها. لكنها ترى أن هذه المساهمة غير كافية، ما يضطرها للتفتيش عن مصادر أخرى لتمويل العلاج، كالتبرعات من رجال الأعمال وبعض المتعاطفين والمحسنين.
وتعتني جمعية "سعادة السماء" بـ46 مدمناً في "قرية الإنسان"، وتعمل على رفع قدرتها لاستيعاب 82 مدمناً في غضون الشهر المقبل. كما تسعى لاستحداث مركز تأهيل نهاري، لا يحتاج المدمن في أولى مراحل التعاطي للمبيت فيه، كي لا يقطع تحصيله العلمي أو يضطر لترك عمله. ومن جهته يلفت إيلي لحّود، رئيس جمعية "الشبيبة لمكافحة المخدرات"، إلى قيام الجمعية بفتح مراكز إعادة تأهيل إضافية ورفع قدرتها لاستيعاب المزيد من الشباب الراغب في التخلص من الإدمان، مضيفاً أن "ذلك لا يكفي، فقد ألقت القوى الأمنية القبض على ما يفوق 2500 مدمن العام الماضي، والطاقة الاستيعابية الكلية لمراكز التأهيل في لبنان لا تتعدى 400 شخص".
ويشير لحود إلى أن "المشكلة تكمن في البرامج التأهيلية المتوفرة في لبنان. فتعدد طرق المعالجة واختلافها بين الجمعيات لا يضر، إلا أن ليس كل من يقدم برامج ينجح في مساعدة المدمنين. وقد رأينا نتائج سلبية في بعض الأحيان، وطالبنا الدولة بوضع معايير مهنية واضحة للأطراف المشاركة في عملية علاج المتعاطين ومراجعة البرامج المتبعة للارتقاء بهذا العمل الانساني ومساعدة المزيد من الشباب."
شربل ح. طانيوس – بيروت
مراجعة: ياسر أبو معيلق