ليبيا: التوافق كلمة سرِ"المؤتمر العام" لعبور مرحلة الفوضى الأمنية
١٠ أغسطس ٢٠١٢بتسليم المجلس الوطني الانتقالي، الهيئة السياسية التابعة للثورة، رسميا السلطة هذا الأسبوع إلى المؤتمر الوطني العام، المنتخب، تكون ليبيا قد حققت أول انتقال سلمي للسلطة منذ أربعة عقود، وهو ما يشكل برأي المراقبين، منعطفا جديدا في تاريخ البلاد.
وفي أول جلسة للمؤتمر الوطني العام تم انتخاب رئيس حزب الجبهة الوطنية محمد يوسف المقريف، الذي عمل سفيرا بالهند وكان من أول الدبلوماسيين المنشقين عن النظام السابق. واعتبر بعض الإسلاميين ذلك انتصارا لحزب العدالة والبناء، فيما أشار آخرون إلى أن أسباب اختيار المقريف ترجع إلى اعتبارات جغرافية وليست طائفية أو سياسية.
بيد أن هذه التطورات السياسية، تتزامن مع تصاعد موجات العنف والأعمال المسلحة، مما يضع السلطة الجديدة أمام تحديات إعادة الأمن ونزع سلاح الأفراد، الذي انتشر إبان الثورة التي أطاحت بالعقيد الراحل معمر القذافي.
الأمن في صدارة التحديات
وحول طبيعة التحديات والمشاكل التي يمكن أن تواجه المؤتمر العام الوطني المنتخب، يرى محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، ان"المؤتمر الوطني سيجد نفسه أمام مشاكل كبيرة وصعبة، لأنه سيتولى الحكم كسلطة شرعية بعد العملية الانتخابية والديمقراطية، التي شهدتها البلاد". وأضاف صوان لـDW أن حالة الفوضى وانتشار السلاح وتدهور الاقتصاد كلها تحديات المرحلة بالنسبة للمؤتمر الوطني العام والحكومة التي سيختارها.
وأشار رئيس أكبر حزب إسلامي في ليبيا إلى أعمال العنف التي شهدتها بعض المناطق الليبية مؤخرا، وأدت إلى تفجير سيارة مفخخة بالقرب من مقر الشرطة العسكرية في العاصمة طرابلس في أول هجوم من نوعه منذ سقوط نظام القذافي، وما تلا ذلك بعد الهجوم بالأسلحة الثقيلة على اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينتي مصراتة وبنغازي، واصفا كل ذلك بـ "الحالات الفردية، التي لا تعني تصاعدا في أعمال العنف، لأن المواطنين في ليبيا استهجنوها وتصدوا لها بسرعة".
وعزا صوان الأحداث الأخيرة إلى انتشار السلاح والفوضى وهي نتيجة طبيعية لما بعد الحرب، على حد قوله. وفي نفس الوقت، لم يستبعد صوان أن تكون أطراف أخرى متورطة في تلك الحوادث خاصة، وأنها تحمل سمات مشتركة. ووجه صوان أصابع الاتهام إلى ما سماه "بقايا النظام السابق و أزلام أخرى من الخارج تسعى لتقويض السلطة الشرعية والتشويش على العملية الديمقراطية".
من جهته، خفف محمود سيالة المتحدث الرسمي باسم تحالف القوى الوطنية الليبية، التي يتزعمها محمود جبريل، من الحوادث التي شهدتها ليبيا مؤخرا، بالقول إن "هذه الأحداث عادية وتؤكد أن هناك من يريد الحؤول دون عقد الجلسة الأولى للمؤتمر الوطني العام وعرقلة انتقال لسلطة في ليبيا". مشيرا أن "تصاعد وتيرة هذه الحوادث في الأيام الماضية تعامل معه الليبيون بحزم".
تركة ثقيلة
وقبيل تسليمه للسلطة للمؤتمر الوطني المنتخب، واجه المجلس الانتقالي انتقادات حادة بسبب عدم قدرته على السيطرة على الأوضاع الأمنية والسياسية. وفي هذا الصدد عبر المتحدث باسم تحالف القوى الوطنية الليبية الذي يضم أكثر من 40 حزبا، عن ان مكونات التحالف ليسوا راضين بشكل كامل عن حصيلة المجلس الوطني الانتقالي الليبي، الذي ترأسه مصطفى عبد الجليل، مضيفا في حوار لـDW أنه "مع ذلك نجد له عذرا في الظروف التي تسلم فيها السطة بعد الثورة وحالة الحرب التي كنا فيها، لكن هذا لا يعني أن المجلس لم يقع في انزلاقات سنتحدث عنها ونقوم بتقييمها في الوقت المناسب".
وفي نفس الوقت، أشاد محمود سيالة بالمجلس الوطني الانتقالي لأنه "على الأقل استطاع أن يوصل البلاد إلى مرحلة تاريخية وهي تسليم الحكم إلى السلطة الشرعية التي ارتضاها الليبيون لأنفسهم من خلال الانتخابات الماضية". وزاد أنه "بصرف النظر عن السلبيات التي وقع فيها المجلس، فمقارنة هذه السنة بالسنة الماضية توصلنا إلى أنه على الأقل تم تحرير العاصمة وبقية المدن الليبية".
عين الإسلاميين على الحكومة بعد تراجعهم الانتخابي
وقد فاجأ حزب العدالة والبناء الإسلامي في ليبيا المراقبين، بعد أن حصل على المرتبة الثالثة في أول انتخابات تشهدها البلاد منذ سقوط نظام القذافي، حيث احتل المرتبة الثانية بـ17 مقعدا وراء حزب تحالف القوى الوطنية بـ39 مقعدا. واعتبر المتتبعون ذلك تراجعا للإسلاميين، الذين حققوا انتصارات انتخابية مهمة في أكثر من بلد عربي غداة ثورتي تونس ومصر. لكن الإسلاميين الليبيين يحاولون أن يكون لهم دور في الحكومة المقبلة.
وأكد زعيم حزب العدالة والبناء محمد صوان أنه مستعد لوضع يده في يد الفائزين في الانتخابات لتشكيل حكومة توافق وطني. مردفا "ليس لدينا أية مشكلة للتحالف، لأن الخريطة السياسية لم تفرز طرفا متقدما في الانتخابات الماضية، فالأغلبية هم المستقلون". وعبر صوان عن استعداهم للمشاركة في الحكومة بدون أية شروط بما فيه مصلحة الشعب الليبي.
وفي نفس السياق، دعا محمود سيالة إلى حكومة وحدة وطنية تضم الجميع للانتقال بليبيا إلى المرحلة المقبلة، مشيرا أنه "منذ بداية الحملة الانتخابية ونحن في التحالف نؤكد على كل القوى بما فيها الإسلاميون شركاء لنا في هذا الوطن، قبل أن يكونوا تيارات وأحزاب".
وتشهد الساحة السياسية الليبية تنافسا محموما بين الأحزاب لاستقطاب النواب المستقلين الذين يهيمنون على أكثر من نصف مقاعد المجلس، لكن الغموض يسود ولاءاتهم السياسية والايديولوجية، وهو ما يتوقع أن يجعل الخارطة السياسية في المؤتمر العام مرشحة للتقلبات.
محمد أسعدي
مراجعة: منصف السليمي