مثال يحتذى في العالم: التدريب المهني المزدوج في ألمانيا
٥ يوليو ٢٠١٣سواء أكان الشخص قد أتم تسع سنوات في المدرسة (المرحلة المتوسطة) أو أتم تعليمه الثانوي (12 أو 13 سنة)، التدريب المهني في ألمانيا مفتوح أمام جميع الشباب ممن حصلوا على شهادة مدرسية. المميز في ذلك: يمكن للشباب الجمع بين التدريب في شركة مع الدراسة النظرية في مدرسة مهنية. ولهذا السبب يتحدث المرء عن ما يسمى بالتدريب المهني المزدوج. "ألمانيا تسير في هذا المجال في طريق مميز"، كما يقول ماركوس آيكهوف، مدير سياسات التعليم والاستشارات التدريبية في غرفة الصناعات الحرفية في كولونيا، ثم يضيف: "وخلال غضون سنتين إلى ثلاث سنوات ونصف يقضونها في التدريب، يحصل الشباب على الكثير من المعرفة التخصصية التي تعينهم في طريقهم العملي."
تقاليد عريقة في التدريب المهني
نظام التدريب المهني في ألمانيا فريد من نوعه. منذ العصور الوسطى وضعت أسس وقواعد تدريبية لبعض الفئات المهنية. ومنذ عام 1869 يسري قانون "التعليم المهني الإلزامي" للعمال دون سن 18 عاما. واليوم، يمكن للطلاب في ألمانيا أن يقرروا مع سن الـ15 أو 16 عاما، ما إذا كانوا يريدون البدء بالتدريب المهني. يغادرون عندها المدارس العامة، وينتقلوا ليصبحوا نجارين، أو طباخين، أو ممرضين، أو مصرفيين.
ويمكن للشباب الاختيار بين 344 مهنة. وبالنسبة لهم يحقق هذا الشكل من أشكال التدريب مزايا هائلة: ويمكنهم أن يختاروا بهدوء مهنة في قطاع التجارة أو قطاع الحرف اليدوية. وهذا ما تستفيد منه الشركات، كما يقول ماركوس آيكهوف: "يحصل المتدربون على المعلومات التي ستطلب منهم في مكان العمل. ومباشرة بعد التدريب يمكن أن يباشروا بالعمل"، وألمانيا بحاجة لمهنيين بشكل ملح أكثر من أي وقت مضى.
ازدياد صعوبة الشروط
في الوقت الحالي يتدرب حوالي 1.5 مليون من الشباب في ألمانيا وفق النظام المزدوج للتدريب المهني. ومع ذلك، هناك العديد من خريجي المدارس الذين لا يجدون مكانا للتدريب. وهذا يرجع جزئيا إلى أن المتطلبات اللازمة للحصول على مقعد تدريب قد ازدادت بصورة مطّردة في السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، صار يجب على ميكانيكي السيارات التعامل مع الإلكترونيات أيضا، وبالتالي عليه امتلاك معرفة جيدة في الرياضيات. ولذلك يفضل معظم أصحاب الأعمال قبول متدربين يحملون الشهادة الثانوية. وفي العام الماضي بقي 76 ألف شاب في حالة بحث عن مقعد تريب، وفقا للمعهد الاتحادي للتدريب المهني(BIBB) .
وأكثر من يعاني في إيجاد مكان للتدريب هم الشباب من الأسر المهاجرة. ويضطرون لاتباع دورات تأهيلية لرفع مستواهم، قبل أن يتم قبولهم في البرامج التدريبية. وهذه الدورات التأهيلية أصبحت أكثر شيوعا وصارت تقدمها وكالات توظيف ومن قبل الشركات نفسها، كما في قطاع الفنادق أو المطاعم.
ومن حيث المبدأ، التدريب مفتوح لجميع الشباب، بما في ذلك المرشحين الأجانب من خارج البلاد. تتلقى الشركات ملفا بمؤهلات المرشح للتدريب، ثم تدعو الشباب لمقابلات العمل. بعض الشركات تطلب خضوع المتدرب لفترة اختبار لديها. حتى يتعرف المتدرب على الشركة وطبيعة العمل من جهة، وليرى صاحب العمل مؤهلات المرشح للتدريب وإمكانية قبوله"، كما يقول ماركوس آيكهوف.
النظام التدريب المزدوج: ابتكار ألماني
التدريب المزدوج غير موجود سوى في ألمانيا، وهناك نموذج معدل منه في النمسا وسويسرا. في حين تحاول دول أخرى استيراد هذا النموذج، ولكنه لا يعمل دائما بسلاسة. في فرنسا، على سبيل المثال، لا يدخل في برامج التدريب هذه سوى التلاميذ ذوي العلامات الأضعف في المدارس. وفي كثير من البلدان الأخرى مازال يُنظر للتدريب المهني كشيء متخلف مقارنة بالدراسة الجامعية.
أما في ألمانيا، فما زال النظام المزدوج للتدريب المهني يشكل نموذجا ناجحا. وعملية تطويره مستمرة. فعلى سبيل المثال، بإمكان حاملي الشهادة الثانوية الجمع بين التدريب المهني والدراسة الجامعية. وهذا ما يسمى نموذج "دراسة مزدوجة". العديد من الشركات، تفضل خريجي هذا النموذج عند بحثها عن عاملين، لأن هؤلاء الخريجين يعرفون كل شيء عن عمليات الإنتاج في الشركات – وبنفس الوقت مطلعين على كل ما يتعلق بالجانب النظري وشؤون الإدارة.