مخاطر فلاتر التجميل .. الجانب المظلم لهوس الجمال
٣ يونيو ٢٠٢٣رغم أن عيوب البشرة من ندوب وبقع وشوائب تعد الشيء الأكثر طبيعية في العالم، إذ لا يخلو وجه أي إنسان منها مهما كبر أو صغر في السن وأيا كانت جنسيته. لكن فلاتر التجميل على منصات التواصل الاجتماعي جعلت بشرة مستخدميها خالية من هذه العيوب لأنها تزيل الندوب والبقع وتجعل الأسنان ناصعة البياض والشعر في غاية الجمال والرونق.
وقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي انتشارا كبيرا لهذه الفلاتر مؤخرا بل زادت قوتها. فلم يعد هناك أي شيء يقف في طريقها بداية من بعض التصحيحات الطفيفة للبشرة لجعلها أكثر نعومة وحتى إجراء تغيير جذري لبنية الوجه.
الذكاء الاصطناعي يؤمن جمال مصطنعا!
وعلى وقع ذلك، تزايدت تطبيقات فلاتر التجميل، إذ جرى تحميل تطبيق FaceTune الذي تقف وراءه شركة Lightricks الإسرائيلية أكثر من 200 مليون مرة في مقابل أكثر من 100 مليون عملية تحميل للتطبيقين الأكثر تنافسا وهما YouCam Makeup التايواني وBeautyPlu السنغافوري.
يشار إلى أنه قبل سنوات قليلة، كان عمل هذه الفلاتر مقتصرا على تحسين الصور، لكن الأمر تغير الآن إذ يمكنها أن تغير مظهر المستخدمين في مقاطع الفيديو بطريقة معقدة وشاملة بحيث يصعب اكتشاف أنه جرى معالجة الصور.
وقد تسبب فلتران جديدان على تطبيق تيك توك يدعم تشغليهما الذكاء الاصطناعي في ضجة كبيرة في مطلع مارس/ آذار الماضي وهما فلتر "Teenage Look" أو "مظهر المراهقين" وفلتر "Bold Glamour" أو "البهجة الكبيرة" نظرا لأنهما يعملان عن تعديل ملامح الوجه لتبدو أصغر سنا وأيضا لتكون متوافقة مع معايير الجمال المثالية.
وخلافا للفلاتر السابقة التي كان يمكن رصدها، فإن فلاتر التجميل الحديثة أو ما يُطلق عليها "فلاتر الواقع المعزز" يصعب رصدها فضلا عن أنها تستطيع تعديل البشرة لتكون مثالية مثل تفتيح البشرة الداكنة أو جعل البشرة البيضاء أكثر وردية وتصغير حجم الأنف.
وفي ذلك، تقول كاتيا غونكل، أستاذة الدراسات الثقافية بجامعة غوته في فرانكفورت والمتخصصة في الثقافة الرقمية، إن الرغبة في أن يبدو الوجه أكثر جمالا يعد "إشكالية بالتأكيد، لأن العديد من الصور النمطية عن الجمال يتم استخدامها بكثافة عن طريق الفلاتر".
وتضيف أن تكنولوجيا فلاتر التجميل تعد جديدة، لكن الأفكار حيال استخدامها ليست بالحديثة، محذرة من أن "الفلاتر التي تتسبب في مشاكل كبيرة باتت متاحة للجميع، لذا فإن ثمة ضغوط كبيرة (على مستخدمها) للتوافق معها".
اكتئات وعدم رضا عن النفس
ويحذر خبراء من أن هذه التطبيقات قد تتسبب في عواقب نفسية خطيرة للمستخدمين، إذ ذكرت دراسة أجرتها جمعية الشبان المسيحيين في بريطانيا أن ثلثي الشباب يشعرون بضغوط بسبب معايير الجمال على الشبكات الاجتماعية. فيما أفادت دراسة أجرتها منظمة "المرشدات" البريطانية أن حوالي ثلث الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 11 و 21 عاما توقفن عن نشر صورهن من دون استخدام فلاتر التجميل.
بدورها، تحذر اليوتيوبر الألمانية سيلفي كارلسون من خطورة ذلك، قائلة إن استخدام فلاتر التجميل " قد يلحق أضرارا جسيمة ويفسد كل شيء. فبمجرد نشر الصور بعد تعديلها عن طريق الفلاتر، فإننا نحصل على ردود فعل إيجابية على شكل إعجاب ما يجعلنا نشعر بالرضا عن حالنا ومن ثم يتدفق هرمون الدوبامين الذي يحفزنا ويشعرنا بالرغبة". وتضيف "لكن ماذا يحدث عندما نخرج إلى الناس ونظهر في الأماكن العامة من دون فلاتر وتظهر بشرتنا بشكلها الطبيعي بما تحتويه من بثور وهالات داكنة تحت العين؟ هذا الأمر يعد محطما للغاية".
وقد رافق استخدام هذه الفلاتر مصطلح "اضطرابات السيلفي أو سناب شات" وهي تعني وجود بعض العيوب في الشكل أو البشرة، ما يستلزم تعديل الصور رقميا عند نشرها على منصات التواصل الاجتماعي. وقد يصل الأمر إلى دفع المستخدمين إلى إجراء عمليات تجميل لجعل الصور التي ينشرونها على منصات التواصل باستخدام الفلاتر مطابقة لصورهم الحقيقة.
وقد حذرت مجلة "غاما لجراحات تجميل الوجه" من أن الفشل في عدم التوافق بين الصور التي تُنشر على منصات التواصل والصور الحقيقة قد يؤدي إلى الاكتئاب.
تشريعات
وإزاء ذلك، قامت العديد من دول العالم بسن تشريعات لتنظيم استخدام الفلاتر إذ يجب في النرويج وإسرائيل تمييز الصور التي تم التلاعب بها عن طريق الفلاتر بمجرد استخدامها للترويج الإعلاني على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي فرنسا، ما زال النقاش مستمرا حول تشريع يرمي إلى وضع قواعد مماثلة خاصة بالصور ومقاطع الفيديو، يما يشمل فرض غرامة تصل إلى 300 ألف يورو أو السجن لستة أشهر في حالة انتهاك هذه القواعد. وتجري مناقشات مماثلة في المملكة المتحدة.
أما في ألمانيا، فلا يوجد تشريع أو قانون بشأن استخدام الفلاتر، لكن اليوتيوبر الألمانية سيلفي كارلسون قامت العام الماضي بتقديم عريضة على الإنترنت تطالب بسن تشريعات مثل باقي دول العالم.
تزامن ذلك مع دعوات نواب في برلمانات بعض الولايات لسن تشريع في ألمانيا يرمي إلى وضع علامات إلزامية لتمييز الصور التي جرى تعديلها باستخدام الفلاتر والتي تستخدم في الإعلانات أو يتم نشرها على منصات التواصل الاجتماعي، لكن لم يتم اقتراح أي تشريعات مماثلة على مستوى البرلمان الفيدرالي "البوندستاغ".
بدورها، تؤيد كاتيا غونكل، الأستاذة بجامعة غوته، فكرة سن مثل هذه التشريعات، لكنها تشدد على ضرورة التمييز بين استخدام هذه الفلاتر للاستعمال العام أو الخاص. وتقول في هذا السياق "نحن نتحدث فقط عن القطاع التجاري. لا يمكن أن يشمل ذلك استخدام الفلاتر في صور السيلفي الخاصة، لذا هناك تساؤلات بشأن الاستخدام والجهة المسؤولة عن مراقبة ذلك".
وتؤكد غونكل على ضرورة تعليم وتثقيف الأطفال والشباب لتحسين مهاراتهم الإعلامية، مضيفة أننا "نعيش في ظل الرأسمالية التي تدفع الناس إلى الشعور بأنهم في حاجة إلى تحسين شكلهم وربط ذلك باستهلاك منتجات أو خدمات معينة مثل الجراحات التجميلية". وتشير غلى أن "هذا الأمر يعتمد على مدى تزايد الإحساس بالنقص الذي لا يتم إشباعه على الإطلاق، بهدف استمرار شراهة الاستهلاك".
توماس لاتشان / م.ع