مسارات جديدة لألمانيا في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل
١٨ أبريل ٢٠٢٢ركزت جولة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك على محطتين في غرب إفريقيا، إذ زارت يوم الثلاثاء ماليويوم الأربعاء (13 نيسان/أبريل 2022) النيجر. وكلاهما دولتان متأزمتان تعانيان من ويلات الإرهاب. وأجرت بيربوك محادثات حكومية في عاصمتي الدولتين باماكو ونيامي، وكذلك أجرت زيارات لجنود البعثيتين العسكريتين الدوليتين المعروفتين اختصارا بـ"مينوسما" (MINUSMA) و "أوتم" (EUTM).
وتمحور الموضوع الرئيسي للمحادثات حول السؤال: هل سيتم تمديد انتشار الجيش الألماني في مالي كجزء من هذه البعثات؟ لأن التفويض الممنوح لهم من قبل البرلمان الألماني "البوندستاغ" ينتهي في مايو/ أيار المقبل.
وقد تدهورت العلاقات بين المجلس العسكري في مالي والاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، لأسباب ليس آخرها تأجيل العودة إلى الأوضاع الديمقراطية في البلاد مرارًا وتعاون حكام مالي مع المرتزقة الروس والمستشارين العسكريين من روسيا.
"الانسحاب سيفيد روسيا"
في منتصف مارس/ آذار الماضي، أعلنت فرنسا سحب قواتها من مالي وبالتالي إنهاء مهمة قواتها لمكافحة الإرهاب في بعثتي "برخان" و"تكوبا". وتجري الآن مناقشات ساخنة في ألمانيا حول ما إذا كان من المنطقي على الإطلاق مواصلة مهمة بعثة "MINUSMA" ذات الخوذ الزرقاء في مالي، والتي تتواجد هناك منذ عام 2013. كما ستكون بعثة الاتحاد الأوروبي التدريبية "EUTM" ضمن موضوعات النقاش أيضًا.
يقول أولف ليسينغ، الخبير بشئون الساحل بمؤسسة كونراد أديناور الألمانية، المقربة من الحزب المسيحي الديمقراطي: "من المشروع بالتأكيد إجراء مناقشة حول المدة التي نريد أن نبقى فيها في مالي، وما إذا كانت أدواتنا ذات تأثير، وما الذي بإمكاننا القيام به على نحو أفضل. لكنني أحذر من الخروج والانسحاب فجأة كما حدث في أفغانستان".
وفي مقابلة مع DW أعرب ليسينغ عن قلقه بوضوح قائلا: "الانسحاب سيؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني في مالي ولن يصب سوى في مصلحة روسيا".
هل تتوقف بعثة الاتحاد الأوروبي التدريبية؟
على الرغم من هذه المخاوف، أوقف الاتحاد الأوروبي أجزاء من بعثته التدريبية في مالي المعروفة اختصارا بـاسم "EUTM" يوم الاثنين الماضي. وصرح منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أن هذا أثّر بشكل خاص على وحدات من القوات المسلحة والحرس الوطني في الدولة الأفريقية. وقال بوريل "لا توجد ضمانات أمنية كافية من السلطات المالية بعدم تدخل المرتزقة الروس من مجموعة فاغنر"، في إشارة إلى المرتزقة الروس الذين تم استدعاؤهم إلى البلاد من قبل المجلس العسكري المالي.
وفي أول رد فعل لها، وصفت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبريشت الخطوة بأنها "منطقية وصحيحة" في ضوء الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان من قبل القوات المالية جنباً إلى جنب مع القوات الروسية، "وربما أيضا مع المرتزقة". وقالت الوزيرة: "علينا أن نسأل أنفسنا من الذي نقوم بتدريبهم هناك بالفعل".
على وجه التحديد، يشارك الجيش الألماني في مالي بحوالي 300 جندي في مهمة التدريب الأوروبية EUTM. كما يتمركز حوالي 1000 جندي في مالي كجزء من بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي (MINUSMA). وينتهي كلا التفويضين خلال الأسابيع المقبلة إذا لم يقم البوندستاغ بتمديدهما.
بيربوك: لن نواصل مقولة "استمروا على هذا النحو"
وقد وجهت وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك قبل وقت قصير من سفرها إلى باماكو انتقادات لحكومة باماكو قائلة: "الحكومة في باماكو فقدت الكثير من الثقة الدولية في الأشهر الأخيرة، لأسباب ليس أقلها تأخير الانتقال الديمقراطي وتكثيف التعاون العسكري مع موسكو. ومجرد قولنا ببساطة " استمروا في العمل على هذا النحو" سيكون خطأ من وجهة نظري".
الجماعات الإرهابية ليست هي فقط من يهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة. فالحرب في أوكرانيا، التي تبعد أكثر من 4000 كيلومتر، يمكن أن يكون لها أيضًا تداعيات خطيرة على غرب أفريقيا. والسبب هو: التوقف الوشيك لإمدادات القمح. لذلك أعلنت بيربوك قبل سفرها أنها ستركز بشكل خاص خلال زيارتها لمنطقة الساحل على مشاكل الإمدادات الغذائية. وقالت إن "الحرب العدوانية التي يشنها النظام الروسي في أوكرانيا لها عواقب تتجاوز المنطقة بكثير". لأن أوكرانيا تعد حتى الآن بمثابة مخزن غلال يزود العالم بالحبوب.
وأعلنت الوزيرة "خلال فترة رئاستنا لمجموعة السبع، جعلنا قضية الأمن الغذائي على رأس أولوياتنا". وأضافت بيربوك "في كثير من الدول الأخرى بالعالم، والتي عليها مواجهة الإرهاب أو أزمة المناخ، أصبح الافتقار إلى الأمن الغذائي الآن مشكلة وجودية. ومنطقة الساحل هي مثال محزن على ذلك".
"الخطة البديلة" النيجر؟
والآن كيف ستمضي المعركة الدولية ضد الإرهاب في منطقة الساحل؟ لا يريد الأوروبيون الانسحاب الكامل من المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية. وأعلنت فرنسا بالفعل أنه سيتم نقل مركز العمليات العسكرية في منطقة الساحل مستقبلا إلى النيجر المجاورة، مباشرة إلى المنطقة الحدودية مع بوركينا فاسو. وفي ألمانيا أيضًا، هناك نقاش دائر الآن حول نقل جنود الجيش الألماني المتمركزين حاليًا في مالي إلى النيجر.
يمتلك الجيش الألماني (البوندسفير) بالفعل مركزًا لوجستيًا في النيجر: فقاعدة النقل الجوي في نيامي هي جزء من مهمة بعثة مينوسما (MINUSMA) وتضمن جزءًا كبيرًا من الإمداد اللوجستي للقوات الألمانية في مالي. وكان موضوع إمكانية نقل الجنود الألمان إلى النيجر الموضوع الرئيسي للمحادثات بين وزيرة الخارجية الألمانية ورئيس النيجر محمد بازوم.
يقول الكاتب الصحفي النيجيري سيدك أبّا: "في الحرب ضد الإرهاب، لا يكفي نقل القوات الأجنبية إلى بلد ما أو تزويده بطائرات هليكوبتر قتالية. و(لكن) قبل كل شيء، عليك أن تصل إلى جذور المشكلة وأن تقوم بتبوير الأرض الخصبة لنمو الإرهاب".
وأكد أبّا في مقابلة مع DW أن الإحباط يتزايد أيضًا في المجتمع المدني بالنيجر لأنه من الواضح أن الوجود العسكري الدولي لم يحسن الوضع الأمني وتابع قائلا: "لا يمكن للقوات العسكرية وحدها خوض المعركة. هناك حاجة أيضًا إلى الاستثمارات لتحسين الظروف المعيشية وآفاق الناس هناك، على سبيل المثال الاستثمار في التدريب المهني للشباب"، ويضيف أبّا أنه يمكن لدولة مثل ألمانيا المساعدة في هذا المجال على وجه الخصوص.
ساندرينه بلانشارد/ ديرك كوب/ ص.ش