مصدرها لبنان .. هل يشهد المتوسط مزيدا من حوادث غرق القوارب؟
٢٩ أبريل ٢٠٢٣في 18 نيسان/ أبريل 2023 أوقف الجيش اللبناني مركبًا يشتبه أن ركابه يحاولون مغادرة لبنان بطرق غير قانونية، عبر مرفأ العبدة في قضاء عكار شمال لبنان، بحسب صحيفة اللواء اللبنانية فإن الأمر تطلب تدخلًا من الجيش اللبناني الذي استقدم تعزيزات عسكرية إلى محيط مرفأ العبدة ، حيث ضبط أشخاص يحاولون إعادة المركب المشتبه بأنه يقوم بأعمال تهريب غير قانونية عبر البحر.
ولم يكن الذين يحاولون الهروب عبر البحر مواطنين لبنانيين فحسب، إذ بينهم العديد من العائلات السورية والفلسطينية، واغلبهم يعيش في لبنان، جميعهم يحاولون الهجرة نحو دول أوروبا بحثا عن حياة جديدة تضمن فيها مستقبل أولادهم.
"لن نستسلم"
مع انتهاء شهر رمضان سيعاود المهربون استئناف رحلاتهم لنقل اليائسين من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين إلى أوروبا عبر البحر، وبالرغم من جميع المخاطر، وبحسب تحقيق أجراه موقع "Open Democracy"، نشر يوم 24 نيسان/أبريل وتحدث مع بعض المهربين في طرابلس شمالي لبنان، فإن قوارب المهاجرين ستغادر قريباً إلى إيطاليا، وفي مقابلة كجزء من مشروع بحثي أوسع حول التهريب يعده "Open Democracy"، كشف مهربو المهاجرين في بيروت وطرابلس أن ما يصل إلى 2000 شخص دفعوا وديعة لحجز مكانهم على القوارب.
محمد أ. سائق سيارة أجرة لبناني يبلغ من العمر 42 عامًا في شمال لبنان، تحدث لـ"Open Democracy" قائلًا: "قابلت المهرب منذ شهر، أنا الآن أحسب الأيام إلى تاريخ السفر".
دفع محمد نحو 2000 دولار مقدمًا لحجز أماكن له ولابنيه الصغيرين وزوجته، بينما السعر الكامل للأربعة 10 آلاف دولار، ويؤكد محمد: "سنقترض المال ونبيع السيارة وكل ما لدينا، بما في ذلك محبس زوجتي". فبالنسبة لمحمد فإن الرحلة المحفوفة بالمخاطر للوصول إلى أوروبا أفضل من البقاء بصعوبة في لبنان، بحسب ما يؤكد.
في عام 2022، حذرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين من أن عدد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا من لبنان عبر شرق البحر الأبيض المتوسط قد تضاعف للعام الثاني على التوالي، فرغم أن قبرص الأقرب للبنان كانت أقل جاذبية للمهاجرين من دول أوروبا الغربية، فيما كان الوصول لإيطاليا أو اليونان خطيرًا جدًا من لبنان، لذا كان هذا الطريق مستبعد، لكن مؤخرًا زادت شعبية هذا الطريق بسبب سوء الوضع في لبنان، لدرجة أن المهربين شهدوا المزيد والمزيد من الطلبات من الأشخاص اليائسين لمغادرة البلاد، اللبنانيين وغير اللبنانيين.
يقول المهرب اللبناني أبو حسين لـ"OpenDemocracy": إن 75 ٪ من الأشخاص الذين يتواصلون معي لطلب فرص الحصول على قارب هم لبنانيون، بالسابق اعتدنا أن يكونوا سوريين وفلسطينيين فقط".
"خطر الغرق طريقة للهروب من بلدٍ يغرق بمشاكله"
في أواخر نيسان/ أبريل 2022، أي منذ نحو عامٍ تقريبًا جرفت الأمواج جسد "سفيان" الطفل ذو العامين، بعد أن حاول مع عائلته عبور البحر نحو أوروبا، حيث أصبح البحر ملاذ اللبنانيين بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية.
إذ يستضيف لبنان نحو مليونين و80 ألف لاجئ، معظمهم لا يملكون أوراقا نظامية، بحسب الأمن العام اللبناني، في حين تظهر بيانات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين أن المسجلين لديها يبلغون 840 ألف لاجئ، ويوجد نحو 3100 مخيم عشوائي على الأراضي اللبنانية، ومعظمها بالبقاع.
بدأ الوضع الاقتصادي للبنان بالتدهور ابتداءً من عام 2018 تقريبًا، لتنهار عملته عام 2019، وازداد التضخم وحجبت البنوك حسابات العملاء، ما أدى لخسارة اللبنانيين لمدخراتهم.
زاد الأمر سوءًا انفجار مرفأ بيروت عام 2020، بينما استمر الانهيار وسط فراغ رئاسي وحكومي، ووضع سياسي محتدم، وتوقف العديد من المساعدات الدولية، ما دفع الرئيس المنتهية ولايته ميشيل عون للإعلان أن لبنان "ذاهب إلى الجحيم".
لذلك بدأت الهجرة غير القانونية من لبنان عام 2019، وازدادت حتى وصلت خلال الربع الثالث من عام 2022 وحده شهدت السواحل اللبنانية ما لا يقل عن 155 محاولة هجرة غير قانونية، بحسب ما نقلت "سكاي نيوز" عن وزير الإعلام اللبناني بحكومة تصريف الأعمال، شارك فيها 4637 شخصًا، وأدت إلى وفاة 214 شخصًا على الأقل، وفقدان 225.
وبينما لا يملك لبنان عددًا دقيقًا للضحايا الذين غرقوا في البحر أثناء مغادرتهم شواطئه، قدرت الأمم المتحدة أن عددهم ارتفع عام 2022 بنسبة 70% مقارنةً بالفترة بالعام 2021.
هذا العام عاد حلم الهجرة إلى أذهان القاطنين بلبنان، مع تحسن الأوضاع الجوية بالربيع وهدوء البحر نسبيًا، لتعود قوارب الموت إلى أنشطتها غير القانونية، حاملة مواطنين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، فارين من ضغوط الحياة وأزماتها المعيشية، بعد بلوغ مرحلة الفقر والجوع لدى معظم العائلات، التي لم تعد تجد ما يسد الرمق أو تعيش حياة كريمة لائقة بالإنسان.
وبحسب موقع "لبنان 24" بدأت عائلات بشمال لبنان تستعد للمغامرة عبر البحار غير مكترثين بالمخاطر، رغم أن مأساة القوارب التي غرقت لا تزال بالبال منها القارب الذي غرق في نيسان/أبريل 2022، وفي أيلول/ سبتمبر غرق حوالي 90 شخصًا قبالة الساحل السوري بعد مغادرتهم من شمال لبنان، وفي كانون الثاني/ يناير 2023 ، أنقذت البحرية اللبنانية 200 شخص بينما كان قاربهم يغرق.
لكن وبحسب "Open Democracy" فإن الأزمة الاقتصادية في لبنان جلعت من رحلة 1000 ميل بحريًا إلى إيطاليا مخرجًا جذابًا للكثيرين، بمواجهة عدم الاستقرار السياسي الذي لا هوادة فيه ، والنظام الصحي المنهك، بالإضافة للقضاء على الأجور والمعاشات التقاعدية بسبب التضخم، حيث حذرت الأمم المتحدة من أن أربعة من كل خمسة أشخاص في لبنان يعيشون الآن تحت خط الفقر - السكان المحليون واللاجئون على حد سواء.
ولتأمين تكاليف الرحلة عمدت بعض اللبنانيات إلى بيع ذهبهن لتسديد تكاليف ركوب قوارب الموت، رغم رسائل مغتربين حذروا فيها الأهل ومعارفهم من مخاطر البحر، شارحين لهم ما حصل معهم من حوادث ومن تعرضهم للإهانات في الدول التي وصلوا اليها، واصفين حالتهم بالمرارة الشديدة القسوة.
خط: إيطاليا-لبنان
في لبنان تنطلق قوارب التهريب من نقطتين أساسيتين إلى أوروبا أو تركيا، الأبرز هي طرابلس بالشمال، حيث تتجه القوارب منها إلى تركيا بشكلٍ خاص أو اليونان أو قبرص، والثانية من عكار بالشمال أيضًا إلى وجهات نفسها، ولتصل إلى أوروبا يكون على هذه القوارب تفادي البحرية اللبنانية، وقوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة، والبحرية القبرصية أو التركية بحسب الوجهة.
إذ ليس هناك أمام أولئك الذين تقطعت بهم سبل العيش في ظل هذه الظروف بلبنان خياراتٌ كثيرة، فلبنان يشترك بحدودٍ برية مع سوريا فقط وإسرائيل، وبينما لا يمكن للبنانيين دخول إسرائيل، لا تعتبر سوريا خيارًا أفضل للراغبين بتحسين أحوالهم، أو حتى بالنسبة للسوريين أنفسهم، بالوضع لا يزال خطير والوضع الاقتصادي سيء.
لذلك يقول أبو يزن ، المهرب اللبناني المقيم في مدينة طرابلس الشمالية لـ"Open Democracy": "إذا أرادوا السفر، فنحن خيارهم الوحيد على الأقل عندما يتعلق الأمر بأوروبا". ولا يعتبر كلام أبو يزن مبالغةً، فبالنسبة لمعظم الناس في لبنان، لا توجد طريقة متاحة للسفر بشكل قانوني إلى أوروبا، وللوصول إلى هناك يجب على المرء أن يذهب من خلال مهربي البشر.
ويتابع أبو يزن: "من السهل علينا العثور على عملاء لأن الجميع تقريبًا يحلم بمغادرة لبنان، لست بحاجة إلى الإعلان عبر الإنترنت. أحصل على العملاء فقط عن طريق الكلام الشفهي، لا سيما عندما تتم الإشارة إليّ من قبل الآخرين الذين قاموا بالفعل بالرحلة".
وفي حين أن أقرب وجهة للمهاجرين الذين يغادرون لبنان عن طريق البحر هي قبرص، تتشكل طرق جديدة تأخذ الناس في رحلة بحرية بطول 1000 ميل للوصول إلى إيطاليا مباشرة، وهي حوالي خمسة أضعاف المسافة بين ليبيا وإيطاليا، وهذا ما يؤكده المهرب أبو حسين: "80% من القوارب التي نجهزها ستذهب إلى إيطاليا، و20% لقبرص".
قبل عمله كمهرب للبشر كان أبو يزن يبيع الإلكترونيات في بيروت، وخسر يده عندما كان مجندًا بينما أصبح يعمل الآن كمهرب، يقول أبو يزن لـ"Open Democracy" إنه يكسب حوالي 45000 دولار سنويًا من خلال هامش الربح بنسبة 25 ٪ لكل شخص، ويشرح: "أحاول أن أقوم بعملي بأفضل ما لدي، أشعر بالتضامن مع معظم الناس، وخاصة أولئك الذين فقدوا كل شيء بسبب الأزمة، الناس مدينون الآن أو اضطروا لبيع ممتلكاتهم، ويأملون البدء من جديد من الصفر".
بينما يضيف أبو حسين: "نتلقى اليوم طلبات في الغالب من عائلات بأكملها أو قاصرين يسافرون بمفردهم، وعادة ما يكون الأولاد الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 17 عامًا، يتم إرسال بعض هؤلاء القاصرين على أمل أنه بمجرد وصولهم إلى أوروبا، سيتمكنون من التقدم بطلب لم شمل الأسرة وإحضار بقية أفراد الأسرة عبر طريق آمن".
أين الدولة؟
بحسب المهربين فإن الشرطة اللبنانية ليس لديها الوقت والقدرة للسيطرة على البحر، رغم أن تواجد الشرطة يبقى يشكل خطرًا على عمليات الترهيب بحسب ما أكد المهربون لـ"Open Democracy"، الذين رغم كل هذا لا زالوا واثقين بقدرتهم على إيصال العديد من القوارب إلى شط الأمان بأوروبا.
ويقول أبو حسين "الشرطة في لبنان مشغولة للغاية بالأزمة الاقتصادية والمشاكل الداخلية في لبنان، لذا ليس لديهم الوقت والقدرة للسيطرة على البحر"، بينما هناك أيضًا طرق أخرى للالتفاف حول العقبات، لكنها تنعكس على سعر الرحلة، إذ لاحظ المهربون أن هناك فرقًا كبيرًا في السعر بين الرحلات التي يكون نجاحها "مضمونًا" من خلال الرشاوى لخفر السواحل اللبناني، وتلك التي ليست كذلك.
ويشرح أبو يزن: "الشرطة القبرصية هي المشكلة الرئيسية للمهاجرين، عندما يعيدون القوارب يمكن أن يصبح الأمر خطيرًا للغاية".
بينما يتم احتجاز المهاجرين إذا أعيدوا إلى لبنان، وغالبًا ما يتم فتح تحقيق للعثور على المهربين -رغم أن السلطات تعلم أنه من النادر العثور على مهربين على متن القوارب. هناك بعض الحالات المسجلة للاجئين السوريين الذين تم ترحيلهم إلى سوريا بعد إعادتهم. تقدر الأمم المتحدة أن 75٪ من القوارب المغادرة إلى قبرص تم اعتراضها وإعادتها إلى لبنان.
دفعت هذه الأرقام المخيفة بعض الجمعيات في لبنان ومنها منظمة "أقوى فوندايشن" إلى التحرك، ودعت رئيستها رولا فاضل إلى مواجهة "هذه القضية الإنسانية بحلول ومعالجات على عدة مستويات، وذلك بمبادرة لتأهيل الخبرات البشرية وتطوير الإمكانيات ونشر التوعية بشأن العديد من الموضوعات الوطنية ومنظومة الحقوق والواجبات وغيرها".
بينما قال مسؤول أمني لبناني لم يكشف عن اسمه لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "هذه القضية تتطلب تضافر جهود عدة، إذ لا تكفي الدوريات لعرقلة عمل المهربين الذين يستغلون الظروف الصعبة لمن يريد مغادرة لبنان. فليتفق المسؤولون وينظموا هذا الملف وبعد ذلك يمكن للتعاون بين جميع الأطراف المعنية أن يثمر"، موضحًا أن "القبض على الناس العاديين وتوقيفهم لن يحل المشكلة ويمنع التسلل خلسة، فرحلات تهريب البشر لا تتوقف مع مواسم التشديد الأمني على الحدود، ولكن ترتفع تكاليفها فقط".
بينما توقع موقع "Open Democracy" أن العدد المتزايد من القوارب التي تغادر لبنان يجب أن يدق أجراس الإنذار بكل مكان، وسط توقعات بأننا سنشهد المزيد من حوادث تحطم قوارب في البحر الأبيض المتوسط في الأشهر المقبلة.
مهاجر نيوز 2023