مقتل العاروري: توسيع للحرب وتضييق لآفاق السلام؟
٣ يناير ٢٠٢٤اتهمت حركة حماس وحزب الله وإيران وجهات أخرى إسرائيل بتنفيذ العملية التي أدت لمقتل صالح العاروري (57 عاماً) وهو أول قيادي سياسي بارز لحركة حماس يتم استهدافه منذ شنت إسرائيل هجوماً جواً وبراً وبحراً على الحركة قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر إثر هجومها الإرهابي المباغت على بلدات إسرائيلية في غلاف غزة.
وأكدت القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، اليوم الأربعاء (الثالث من كانون الثاني/ يناير 2024)، أنها تشعر بقلق كبير إزاء احتمال التصعيد بعد مقتل العاروري. ونقلت "الوكالة الوطنية للإعلام" اليوم عن نائبة مدير المكتب الإعلامي لـ"اليونيفيل" كانديس ارديل قولها :"نشعر بقلق عميق إزاء أي احتمال للتصعيد قد يكون له عواقب مدمرة على الناس على جانبي الخط الأزرق".
وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله قد حذر إسرائيل من قبل "من مغبة تنفيذ أي اغتيالات داخل لبنان" وتوعد "بالرد بقوة" عليها. وقال حزب الله في بيان أمس الثلاثاء إنه استهدف مجموعة من الجنود الإسرائيليين بصواريخ قرب منطقة مرج بعد قتل العاروري.
وفي جنوب البحر الأحمر، تواصلت العمليات التي ينفذّها الحوثيون في اليمن ضد سفن تجارية يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل أو تتحرك منها أو إليها. وأعلن الجيش الأمريكي أنّ المتمرّدين أطلقوا مساء الثلاثاء صاروخين بالستيين باتجاه سفن شحن، مشيراً إلى أنهما سقطا في الماء من دون أن يسفرا عن إصابات أو أضرار.
وهذا الهجوم هو الرابع والعشرين، الذي يستهدف سفناً تجارية في البحر الأحمر، منذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، وفقاً للقيادة الأمريكية الوسطى. وأعلنت الولايات المتحدة تشكيل قوة مهام بحرية دولية لحماية الشحن عبر البحر الأحمر وهو مسار يؤدي لقناة السويس وتمر منه نحو ثلث سفن حاويات الشحن في العالم.
ولم تؤكد إسرائيل أو تنف قتل العاروري، لكن الأميرال دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، قال إن القوات الإسرائيلية في حالة جاهزية مرتفعة ومستعدة لأي احتمالات. وقال رداً على سؤال من مراسل: "أهم شيء نقوله الليلة هو أننا في حالة تركيز ويبقى اهتمامنا منصباً على قتال حماس".
"اختبار كبير وإهانة" لحزب الله
ونقلت فاينانشال تايمز عن إيميل حكيم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله إن قتل العاروري في قلب معقل حزب الله ببيروت "يعد إذلالاً واختباراً كبيراً لحزب الله... فهل سيخاطر بخوض حرب كبيرة رداً على (مقتل) قائد غير لبناني؟ وإذا لم يفعل، هل سيحتفظ حزب الله بمصداقية ردعه؟"
ولفتت الصحيفة إلى تنفيذ إسرائيل على مدار عقود عمليات اغتيال ضد قادة الفصائل في أوروبا والشرق الأوسط ، بما في ذلك من خلال ضربات جوية وعمليات لفرق الكوماندوز وأخرى استخباراتية باستخدام السم، حسب الصحيفة.
وفي نفس الاتجاه ذهبت هيئة الإذاعة والتلفزة الأمريكية "أي بي سي" التي قالت إن قتل العاروري في قلب الضاحية الجنوبية "إهانة" للحزب. وأضافت أن السؤال الآن هو: "ماذا ستفعل إيران".
ويضع محللون هذا التطور جنباً إلى جنب مع سحب إسرائيل عدة ألوية قتالية من غزة قبل أيام قليلة في خانة تفسير أن الدولة العبرية ربما تبحث عن انتصار ملموس تواجه به كم الخلافات والانتقادات المتزايدة داخلياً، لاسيما بعد ثلاثة أشهر من حرب لا يزال الغموض يكتنف مصير أهدافها.
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وتعتبر دول عديدة، من بينها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول أعضاء في جامعة الدول العربية، حزب الله، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. كما حظرت ألمانيا نشاطه على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".
في "قلب المفاوضات"
وعلى صعيد جهود التهدئة، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر وصفته بالمطلع أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أرجأ زيارة كانت مقررة لإسرائيل يوم الجمعة المقبل، وسط مخاوف من تصعيد على جبهات عدة بعد استهداف صالح العاروري.
وقبل وقت قصير من مقتل العاروري، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، الذي يعيش أيضاً خارج قطاع غزة، إن الحركة سلمت ردها على اقتراح وقف إطلاق النار المصري-القطري. وأكد هنية مجدداً أن شروط حماس تتضمن وقفاً كاملاً للهجوم الإسرائيلي مقابل إطلاق سراح المزيد من الرهائن.
ودأبت إسرائيل على اتهام العاروري بالمسؤولية عن هجمات دامية على إسرائيليين، لكن مسؤولاً من حماس قال إنه كان أيضاً في "قلب المفاوضات" التي تجريها مصر وقطر بشأن تبعات الحرب في قطاع غزة والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين لدى حماس.
من هو العاروري؟
ولد صالح العاروري في بلدة عارورة بالقرب من رام الله في الضفة الغربية عام 1966، وكان من أوائل المنضمين لحركة حماس عندما تشكلت عام 1987. وساهم في تأسيس كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية.
وسجن العاروري عام 1992، أي قبل عام واحد من موافقة قيادة فتح على اتفاقات أوسلو، والتي قبلت فيها بوجود إسرائيل وتخلت عن الكفاح المسلح من أجل الدفع باتجاه التفاوض على إقامة دولة فلسطينية. ورفضت حماس هذا النهج.
وعندما أُطلق سراح العاروري في عام 2007، سرعان ما عاد إلى نشاطه ضمن حماس. وسُجن مرة أخرى حتى عام 2010 عندما أمرت المحكمة العليا الإسرائيلية بإبعاده. وأمضى العاروري ثلاث سنوات في سوريا قبل أن ينتقل إلى تركيا إلى أن ضغطت إسرائيل على أنقرة لحمله على المغادرة في 2015. وأقام منذ ذلك الحين في قطر ولبنان، وعمل من مكتب حماس في ضاحية بيروت الجنوبية حتى الضربة المفاجئة أمس الثلاثاء.
ووصفته حماس في بيان أنه "قائد أركان المقاومة في الضفة الغربية وغزة ومهندس طوفان الأقصى"، في إشارة إلى هجوم الحركة غير المسبوق على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو ما يتماشى مع اتهام إسرائيل له بالمسؤولية عن العديد من العمليات التي استهدفتها.
عُرف صالح العاروري داخل حماس بأنه من أبرز المدافعين عن المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة وتمتع بعلاقات جيدة مع حركة فتح. لكن عندما يتعلق الأمر بالصراع مع إسرائيل، كان يُنظر إلى العاروري على أنه متشدد.
وعلى الرغم من أن العاروري أقل نفوذاً من قادة حماس في غزة، كان يُنظر إليه على أنه شخصية رئيسية في الحركة، إذ إنه كان العقل المدبر لعملياتها في الضفة الغربية من المنفى في سوريا وتركيا وقطر وأخيراً لبنان.
وباعتباره مسؤولاً كبيراً بالحركة في لبنان، فقد لعب دوراً مهماً في تعزيز علاقات حماس مع جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية، ومن خلالها مع إيران، الداعم الرئيسي للحركة والجماعة.
وبصفته عضواً في المكتب السياسي لحركة حماس، كان العاروري معتادا على الحوار مع أعدائه الإسرائيليين، حتى ولو بشكل غير مباشر. وبعد قليل من إطلاق سراحه من السجن في 2011، كان العاروري أحد مفاوضي حماس المشاركين في صفقة تبادل الجندي جلعاد شاليط مع إسرائيل.
خ.س/ص.ش/ز.أ.ب (أ ف ب، د ب أ، رويترز)