مكافحة الفساد في العالم تتطلب نفسا طويلا
٢٤ مارس ٢٠١٣يعد تقديم مبالغ مالية كرشوة للحصول على امتيازات أو إبرام صفقات بشروط ميسرة ممارسة يومية في كثير من بلدان العالم، ففي مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص يلجأ أناس لدفع المال من أجل تلقي خدمات معينة، وبالتالي فإنه رغم القرارات الدولية لمكافحة الفساد، فإن القضاء على هذه الممارسات أو التقليص منها يبقى مهمة صعبة للغاية، كما تقر بذلك ألينا مونغيو بيبيدي من أحد المعاهد العليا للعلوم السياسية في برلين التي قالت "نحن نتوفر على معلومات أكثر عن أوجه الفساد السائدة، ونحن نعمل أكثر لمحاربتها، ولدينا وسائل أفضل للقيام بذلك. لكننا لم ننجح بعد في تخليص كثير من البلدان من هذه الآفة". وأشارت ألينا إلى أن مكافحة فعالة للرشوة تتطلب كثيرا من الوقت، وقالت إن ذلك "يجب مقارنته مع محاربة الفساد في أوروبا الغربية قبل كثير من العقود بل القرون. فالمهمة مرتبطة بتوعية المجتمعات على النظر بانتقاد لعمل النخبة السياسية في البلاد. وعلى هذا الأساس يمكن صرف الأموال العامة لفائدة الصالح العام".
وتحاول الجمعية الألمانية للتعاون الدولي تقديم المساعدة في بناء مجتمع ذي نظرة انتقادية في البلدان التي تقيم فيها علاقات شراكة. فمن خلال التوعية تسعى هذه المنظمة الألمانية العاملة في التنمية إلى تحسيس الناس بالنظر بصفة نقدية لعمل الفاعلين في القطاع العام والمطالبة بحقوقهم. شتيفاني تيغمان تدير مشروعا للمنظمة لمكافحة الفساد تشير إلى أنها تتعاون مع شركاء في تلك البلدان يهتمون بمكافحة الفساد والرشوة، "والمنظمة تقدم لهم المساعدة في عين المكان بناءا على تجاربها العملية".
ألمانيا لم توقع بعد على ميثاق مكافحة الفساد
ويعكس مؤشر الفساد الصادر عام 2012 عن منظمة الشفافية الدولية إلى أن الدنمارك وفنلندا ونيوزيلاند هي البلدان التي تقل فيها أعمال الفساد، وتحتل أفغانستان وكوريا الشمالية والصومال المرتبة الأخيرة في هذه القائمة. كما أن بوتسوانا والرأس الأخضر ورواندا تعد البلدان الإفريقية ذات الفاعلية الأكبر في مكافحة الفساد.
وفي ألمانيا عبر رئيس البرلمان الألماني نوربرت لامرت قبل أسابيع عن أمله في أن تعتمد بلاده ميثاق الأمم المتحدة لمواجهة الفساد خلال الفترة التشريعية الحالية، وما يتضمنه هذا الميثاق من قواعد لمواجهة الرشوة بين نواب البرلمان. وقال لامرت إنه من الصعب توضيح سبب عدم تصديق ألمانيا بالذات على هذا الميثاق حتى الآن مضيفا:"ليس لدينا مشاكل مع هذا الموضوع من الناحية العملية، ولكن هناك نقاش نظري كبير بشأنه". واعتبر لامرت، العضو في الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أن ذلك أمر مؤسف وأنه من الضروري تجاوزه. والقانون الألماني لا يجرم تقديم رشوة للنواب، ولكنه يجرم فقط الشراء المباشر لأصوات الناخبين. ولا يعاقب القانون كل من يحاول التأثير على النائب البرلماني دون هذا الحاجز بإسداء مال أو خدمات إليه.
وفشل المشرع الألماني حتى الآن في سن قوانين مشددة بهذا الشأن بسبب تحفظات الائتلاف الحاكم المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الليبرالي الديمقراطي. غير أن الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل لمح خلال الأشهر الماضية إلى عزمه إعادة التفكير في سن مثل هذا القانون.
القضاء النزيه من أهم الوسائل لمكافحة الفساد
وتعد بوتسوانا من بين البلدان القليلة في العالم التي لم يتسبب فيها توفر الموارد الطبيعية في انتشار الفساد. والسبب يعود في ذلك، حسب بعض المراقبين إلى أن استخراج الألماس ليس في أيدي السلطات الحكومية، بل إن هذا القطاع المربح تتولاه شركة أجنبية تدفع جزءا من الأرباح للدولة.
وتقول ألينا مونغيو بيبيدي من المعهد العالي لعلوم السياسية ببرلين "عندما تتولى الدولة مسؤولية قطاع الموارد الطبيعية، فإن الأرباح لا تصل إلى المواطنين العاديين، بل إن النخب هي التي تستفيد منها، وبالتالي فإنه من الأفضل تكليف شركات خاصة في قطاع استغلال الموارد الطبيعية بإبرام عقود تعود بالمنفعة على جميع الأطراف".
وإذا كانت رواندا ناجحة في مكافحة الرشوة، فإن ذلك يفاجئ الجميع، وتقول ألينا مونغيو بيبيدي في هذا السياق بأن "رواندا ألغت الكثير من الإجراءات البيروقراطية. وهذا أمر إيجابي ليس فقط لإتمام أعمال جيدة، بل هو أيضا في مصلحة المواطنين".
لكن يبقى السؤال المحوري قائما حول الكيفية الناجعة للقضاء على ممارسات الفساد أو على الأقل تقليصها في كثير من البلدان. وفي هذا الإطار يشير جيليان ديل من منظمة الشفافية الدولية بأنه يجب مكافحة الفساد من عدة زوايا، معتبرا أن الخطوة الأولى تتمثل في تقوية نظام القضاء، وأضاف بالقول: "القضاء يلعب دورا مفصليا في مكافحة الفساد. فإذا كانت هناك عدالة ضعيفة، فإن البناء برمته ينهار". وأثار جيليان ديل قطاعين إضافيين هامين في مكافحة الفساد، وهما وسائل الإعلام والتعليم، معلنا أنه من خلال صحافة جدية لاستقصاء الحقائق يمكن الكشف عن الكثير من الأمور الخفية على الرأي العام وتكوين مجتمع واع.
ويجدر الإشارة إلى أن وزارة التنمية الألمانية لجأت منذ سنوات إلى ترسيخ بعض الآليات في منح المساعدة الإنمائية للدول الفقيرة من أجل مراقبة مصير تلك الأموال، أي هل تستفيد منها الجهات التي تحتاجها، أم أنها تذهب في جيوب الطبقة الحاكمة. ويوصي الخبراء في هذا المجال بإلزام الطرف المتلقي للمساعدة الانمائية بالكشف رسميا عن مصير تلك المساعدات، وبناء عليه يمكن للجهات المانحة أن تقرر مواصلة صرف تلك المساعدات أم إلغاءها.