نكهة سياسية في انتخاب بابا أقباط مصر
٢٩ أكتوبر ٢٠١٢بعد الثورة، يبدو أن كل شيء في أرض الكنانة له طعم السياسة، ويصح هذا بشكل سافر على انتخاب بابا الإسكندرية وبطريرك إفريقيا ليتربع بفوزه على الكرسي الرسولي للقديس مرقص للمرة 118. على مدى قرون من الزمن كانت الكنيسة تختص بشؤون الأقباط الروحية والشخصية (عقود، زواج، وفاة، إرث)، وفي سنة 1875 استحدث الأقباط فكرة مجلس طائفة أعضاؤه من العلمانيين، وقد سمي بـ( المجلس الملّي). ووظيفة المجلس هي معاونة الكنيسة (الأكليروس) في الأحوال الشخصية وفي الأمور المالية.
النائب السابق في مجلس الشعب المنحل حنا جريس، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، كشف في حديث مع DWعربية عن هذه التفاصيل، مشيراً إلى أن تطور النظام القانوني في مصر قاد إلى دمج قانون الأحوال الشخصية للأقباط في القانون العام المصري بصفة عامة. كما ضُمّت دائرة الأوقاف القبطية إلى وزارة الأوقاف. وبالتالي فقد سُحب الاختصاصان من المجلس الملي، وأصبح الأقباط مجرد رعايا روحيين للكنيسة".
وللمرء أن يسأل: من أين جاء الدور السياسي للكنيسة القبطية بعد هذا التاريخ إذاً؟ جريس رد على هذا السؤال بالقول: "إن الدولة خلال السنوات الخمسين الأخيرة اختارت أن تجعل من الكنيسة ممثلة عن الأقباط في الحياة السياسية".
"الرئيس المصري يجب أن يصادق على البابا المنتخب شعبيا"
قد يوحي هذا الوضع بأن الكنيسة القبطية تلعب اليوم دوراً يتداخل فيه السياسي بالروحي بالاجتماعي بالعقائدي. ويرى بعض مراقبي الشأن المصري، أنّ تنصيب بابا الأقباط يرتبط بقرار سياسي يجب أن يصدر عن رئيس الجمهورية، إلا أن النائب حنا جريس أصرّ على تصحيح هذا المفهوم، مبيناً أن "الرئيس المصري يجب أن يصادق على البابا المنتخب من قبل الشعب، وهذا لا يعني أنه يجب أن يوافق على الانتخاب".
ولا يملك من ينظر إلى تطورات المشهد السياسي في مصر إلا أن يقارن بين الدور السياسي المتعاظم للكنيسة وبين اعتلاء قوى الإسلام السياسي هرم السلطة، فكأن الأقباط الذين يشكلون نحو 9 بالمائة من الشعب المصري يبحثون عن معادل سياسي يحميهم في مرحلة سلطة الأخوان المسلمين والسلفيين، كما يشير النائب القبطي السابق حنا جريس.
"الكنيسة تحاول إعادة ترتيب علاقاتها مع تيارات الإسلام السياسي"
ويبدو أن الكنيسة القبطية قد راهنت خلال السنوات الخمسين المنصرمة على الاحتماء بالدولة ضد أي تدخلات، بل أنها وخلال تسعينات القرن الماضي وفي مواجهة التيارات الإسلامية المتشددة قد زادت من احتمائها بالدولة، كما يشير جريس، الذي يمضي إلى القول: "صعود التيار الإسلامي للسلطة اوجب على الكنيسة أن تعيد النظر في مواقفها، فهي تحاول اليوم إعادة ترتيب علاقاتها مع التيارات الإسلامية السياسية، وفي نفس الوقت هي منزعجة من صعود التيارات الإسلامية الراديكالية".
في الجانب الآخر، يقف محللون وخبراء في الشأن المصري على النقيض من هذا الرأي، فهم يرون أن التصفيات الخماسية، ثم الثلاثية التي جرت وتجري في انتخاب بابا الإسكندرية وأقباط مصر وإثيوبيا تبعد مجمل العلمية عن التسييس وعن الاستقطاب السياسي، وهو ما ذهب إليه الصحفي أحمد الصاوي مدير تحرير صحيفة الشروق في القاهرة في حديث مع DWعربية، مشيراً إلى أن "اللجنة الكنسية الانتخابية قد استبعدت الأساقفة الذين أثاروا جدلاً خلال السنوات الماضية من خلال انخراطهم بتعليقات ذات طابع سياسي".
"لا يريد الأقباط بطرياركا قد تحتويه الحكومة"
وفي معرض حديثه عن توقعات الأقباط من بطرياركهم الجديد، أشار الصاوي إنهم لا يريدون بطرياركا ينغمس في جدل سياسي قد يضر بقضية الأقباط ويزج بهم في صراعات سياسية لا يريدونها، ولكنهم في نفس الوقت "لا يريدون بطرياركاً ضعيفاً يجري احتواءه حكومياً عندما يحتاج الأمر إلى تصعيد كنسي ضد سياسات الدولة التي قد تمارس تمييزاً ضد الأقباط".
من بقي في ميدان التنافس الانتخابي، أسقفان وثلاثة رهبان، جميعهم لم يثيروا جدلاً سياسياً. في مرحلة لاحقة سوف تكتب أسماء ثلاثة مرشحين منهم حصلوا على أكبر عدد من الأصوات في ثلاث ورقات منفصلة. في الرابع من تشرين ثاني/ نوفمبر المقبل، سيقوم طفل قبطي معصوب العينين باختيار ورقة واحدة من الورقات الثلاث، ليصبح الاسم المختار بابا الأقباط الجديد ويتم تنصيبه في احتفالية كنسية في 18 من الشهر نفسه.