نوبيو مصر ومطالب بإعادة التوطين والاعتراف بالتاريخ واللغة
١٤ فبراير ٢٠١٣تعود بدايات المسألة النوبية إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حينما تم تهجير أهالي النوبة من أرضهم التي عاشوا فيها لآلاف السنوات من أجل بناء خزان أسوان. كما تم تهجير من تبقى منهم في الستينيات لبناء السد العالي، إذ غرقت القرى النوبية تحت مياه بحيرة ناصر. ودأبت الحكومة المصرية على اختصار المسألة النوبية في الخلافات على مقدار التعويض الذي تدين به الحكومة للنوبيين.
لكن المظاهرات التي نظمها عدد من الرابطات النوبية مؤخراً حملت مطالب أخرى، على رأسها المطالبة بالحقوق الثقافية والسياسية. ويوضح منير بشير، رئيس رابطة المحامين النوبيين، لـDW عربية أبعاد تطورات القضية النوبية في العامين الماضيين، إذ يقول: "كل ما يتعلق بالقضية النوبية تتعامل معه الدولة بقرارات استثنائية وليس بقوانين واضحة ومعلنة. وطالبنا في هذا الشق بقانون لإعادة توطين النوبيين على بحيرة ناصر، حيث كانت أراضيهم".
ويضيف بشير أن الرابطة تقدمت بالقانون لمحمد جاد الله، المستشار القانوني لرئيس الجمهورية، والذي رحب به ووعد بتبني الرئاسة للقانون، إلا أن الموضوع بقي دون تجاوب من قبل مؤسسة الرئاسة حتى اللحظة. ويتابع المحامي النوبي بالقول: "طالبنا أيضاً بهيئة عليا لتنمية النوبة وجنوب الوادي، مثلما حدث في سيناء. لكن حتى هذا أيضاً لم يصلنا رد عليه، رغم عشرات اللقاءات التي تواصلنا فيها مع رئاسة الوزراء ومستشاري الرئاسة".
حرمان من التمثيل البرلماني
لكن عدم تجاوب الجهات الحكومية مع مطالب النوبيين لم يكن السبب الوحيد الذي دفعهم للتظاهر أمام مبنى مجلس الشورى، فطوال الفترة التي تلت الثورة، يعانى النوبيون من تهميش سياسي غير مسبوق، إذ جرت العادة في النظام السابق على تمثيل النوبة في مجلس الشعب بمقعدين. لكن بعد الثورة تم تغيير الدوائر الانتخابية ودمج النوبة في الدائرة الانتخابية الخاصة بمحافظة أسوان.
وفي هذا السياق يقول بشير: "يبلغ مجموع أصوات النوبة 800 ألف صوت، وهو نفس عدد الأصوات في دائرة دمياط. لكن بينما يتم تمثيل دمياط باثني عشر مقعد، يتم تمثيل النوبة بستة مقاعد فقط. الرئيس مرسي كان قد وعد النوبة بتمثيلهم في مجلس الشورى. لكن هذا لم يتحقق".
دعوات في الإنترنت لحمل السلاح
انسداد القنوات الشرعية، على حد تعبير منير بشير، يزيد من حدة الأزمة النوبية، والتي يصفها بشير بالقنبلة الموقوتة. ويشير رئيس رابطة المحامين النوبيين إلى دعوات ظهرت مؤخراً على الإنترنت بين عدد من الشباب النوبي لإنشاء ما يعرف بحركة مسلحة للدفاع عن الحقوق النوبية تحت اسم "كتالة".
ويشرح بشير: "صحيح أن هذه الحركة ليست موجودة على الأرض وتوجهاتها مرفوضة من الشعب النوبي، إلا أن مثل هذه الدعوات تدل على حالة الاحتقان التي يعانى منها الشباب النوبي نتيجة التجاهل والتهميش المتعمد من قبل السلطة والنخبة السياسية في مصر".
جذور اجتماعية وثقافية
وبالإضافة إلى الأوضاع السياسية التي تمر بها مصر حالياً، تضيف الناشطة ومديرة مؤسسة كنوز النوبية مي جاه الله أن جذور هذه المشكلة اجتماعية وثقافية أيضاً، مضيفة أن النوبيين "يشعرون أن هناك نظرة دونية تجاههم وأن هناك تهميش متعمد تجاه كل ما يخص الثقافة والتاريخ النوبي. حتى متحف النوبة الذي أسسه اليونسكو وأصر على أن يحمل اسم "متحف النوبة" رفضت الدولة الاعتراف به أو إدراجه في الخريطة السياحية المصرية".
وتطالب جاه الله الحكومة المصرية بالاعتراف بتاريخ النوبة وإدراجه في المناهج الدراسية، إضافة إلى الاعتراف باللغة النوبية، التي يطالب البعض أيضاً بتدريسها في المدارس التي يتعلم فيها أبناء النوبة، إضافة إلى إدراج الآثار النوبية في الخريطة السياحية المصرية.
لكن محمود سالم، الكاتب والمحلل السياسي، يرى، في حديث مع DW عربية، أن جزءاً من تفاقم المسألة النوبية يعود إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة بعد الثورة، ففقدانهم لمقاعدهم في مجلس الشعب قطع مشاركتهم في المشهد السياسي، وأصبحوا كتلة ذائبة في دائرة أسوان، معتبراً أن ذلك يجعل من الصعب على أي حزب سياسي تبني مطالبهم.
ويوضح سالم قائلاً: "يبلغ عدد النوبيين حوالي خمسة ملايين شخص، إلا أن مليونين منهم فقط موجودون في أسوان والباقي موزعون في الخارج أو محافظات مختلفة. كما أن التيار الإسلامي ليس قوياً بما يكفي داخل التجمعات النوبية، رغم أنه التيار الوحيد الموجود".
ويشدد سالم على ضرورة الفصل بين النوبيين المقيمين في الجنوب والمقيمين في القاهرة، والذين يتصدرون الصورة كمعبرين عن المسألة النوبية، إذ يقول: "النوبي في أسوان يعتمد على السياحة كمصدر أساسي للدخل. لذلك فما يريدونه هو عودة السياحة واستقرار الأوضاع الاقتصادية قبل أي شيء. لكن في الوقت ذاته، هناك نخبة من الشباب النوبي تعيش في القاهرة ولديها مطالب أخرى، على رأسها المطالب الثقافية. ودون توحد القوتين ستبقى المسألة النوبية مشتتة".