هل السينما المصرية ضحية غزل الحكومة للإسلاميين؟
١٢ مارس ٢٠١٢أجلت المحكمة المصرية النطق بالحكم في الجنحة رقم 10109 لسنة 2011 جنح العجوزة، المقامة ضد الفنانين عادل إمام، لينين الرملي، شريف عرفة، نادر جلال وآخرين، إلى يوم 26 أبريل 2012. وهي القضية التي رفعها محام يتهم مجموعة كبيرة من الفنانين المصريين بازدراء الدين الإسلامي والسخرية من النقاب والحجاب وأصحاب اللحى بصفتها رموز إسلامية وذلك في عدد من الأعمال السينمائية والمسرحية التى قدموها منها مسرحية "الزعيم" وأفلام الإرهابي، والإرهاب والكباب وكلها أعمال من بطولة النجم المعروف عادل إمام.
رقابة بأثر رجعي
الحكم في هذه القضية ينظر له الكثيرون بصفته حكما مفصليا في مستقبل حرية الرأي والإبداع. فإذا استجابت المحكمة للدعوة وأدانت الفنانين سيفتح هذا الحكم الباب لمحاسبة الفنانين على كل الأعمال السينمائية التى ظهرت في العقود الأخيرة وجزء كبير منها كان موجهاً ضد المد الإسلامي والجماعات الدينية المسلحة التى انتشرت في مصر في سنوات الثمانيات والتسعينات.
لكن ليست هذه هى القضية الوحيدة، فمؤخراً قامت إدارة مهرجان الأقصر السينمائي برفض عرض الفيلم المصري "الخروج من القاهرة" بدعوى إساءته لسمعة وصورة مصر. وتصاعد الموقف مؤخراً بعد رفض وزير الأوقاف المصري إعطاء تصاريح بالتصوير داخل المساجد ذات الطابع الأثري وهو ما حدث مع الفيلم المصري "فرش وغطا" الذي يخرجه أحمد عبد الله.
التصوير في المساجد مخالف للشريعة
مثل أى فيلم مصري فقبل التصوير حصل عبد الله على موافقة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، كما حصل على موافقة وزارة الداخلية ليتسنى له التصوير في شوارع القاهرة، لكن المفاجأة كما يروى عبد الله كانت في رفض مدير مكتب وزير الأوقاف إنهاء الأوراق والسماح لهم بالتصوير داخل أحد المساجد. يقول عبد الله لموقع DW عربية: "فوجئنا أن مدير مكتب وزير الأوقاف يرفض إنهاء الأوراق، ويؤكد أن التصوير في المساجد “مخالف للشريعة الإسلامية” وحينما سألناه إن كان هناك ما يراه مخالفا للشرع في السيناريو عامة أو المشاهد المصورة في المسجد تحديدا، أجاب أنه قرار نهائي يسري على أي فيلم سينمائي. وأن المساجد ليست مكانا للتصوير على العموم".
يؤرخ فيلم أحمد عبد الله لثلاثة أيام من حياة سجين يهرب من محبسه أثناء أحداث ثورة 25 يناير ويحدث أن يبيت ليلته الأولى في أحد المساجد ذات الأضرحة، وطبقاً للقانون المصري فيجب على طاقم الفيلم أن يأخذ موافقة وزارة الأوقاف لتصوير هذه المشاهد وهو أمر طبيعي وروتيني كان يحدث بشكل تلقائي قبل الثورة حيث لدى الوزارة قائمة بأسعار التصوير داخل كل مسجد على حسب قيمته المعمارية والتاريخية.
الأزمة تنتقل للبرلمان
المفاجأة الثانية كانت حينما ذهب مدير إنتاج الفيلم لمقابلة وزير الأوقاف المصري لبحث الأمر معه حيث تواجد مع الوزير نائب برلماني عن حزب الحرية والعدالة (إخوان)، وحينما أشار مدير الإنتاج إلى أن الكثير من الأفلام عبر تاريخ السينما المصرية تصور في المساجد منذ “قنديل أم هاشم” مرورا بـ “أرض الخوف” حتى “واحد من الناس”، فكان الرد حاضرا: “هذا كان قبل الثورة.. الآن لم يعد هذا ممكناً” كما رفض الوزير منحهم أى ورقة رسمية لهذا الرفض.
ظهور نائب حزب الحرية والعدالة في الصورة منح القضية أبعاداً سياسية، حيث تقدم نصر الدين الزغبي النائب في مجلس الشعب عن تحالف الثورة مستمرة بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء ووزير الثقافة ووزير الأوقاف للوقوف على أسباب رفض الأخير منح تصاريح للتصوير داخل المساجد.
الفنانون: القرار إهانة للتراث الحضاري الإسلامي
أثار القرار موجة رفض واسعة داخل أوساط السينمائيين أيضا، إذ وصفه المخرج محمد كامل القليوبي بأنه محاولة "مغازلة مكشوفة". وأضاف القليوبي: "يتصور بعض العاملين في أجهزة الدولة أو الوزراء بأنهم بمثل هذه القرارات التى تضييق على حرية الإبداع يكتسبون أرضية سياسية لدى تيارات الإسلام السياسي، لكن على الطرف الآخر فالقرار يعد إهانة للتراث الحضاري الإسلامي". ويتساءل القليوبي في حوار مع DW عربية: "تمتلك مصر تراثاً معمارياً يمثل جوهرة المعمار الإسلامي فكيف نرفض عرض هذا التراث الذي يعكس واحدا من إنجازات الحضارة الإسلامية".
وكانت لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة، التي تعد أحدى الجهات الرسمية المسؤولة عن وضع السياسيات العامة لما يتعلق بالنشاط السينمائي المصري، قد أصدرت بياناً أعلنت فيه استنكارها الشديد لمنع التصوير داخل المساجد وقالت اللجنة في بيانها : "إن هذه المساجد الشامخة التي تعد من عيون الفن الإسلامي.. ، ستُمنع من التصوير على يد كهنة جدد متطوعين وخارج نطاق مؤسسة الأزهر التي هي المؤسسة الدينية المرجعية الوحيدة في هذا الشأن، ونوع من المزايدة الرخيصة المتملقة في غير موضعها لتيار الإسلام السياسي في مصر".
أحمد ناجي ـ القاهرة
مراجعة: أحمد حسو