هل تستمر ألمانيا وجهة للاجئين أم أن السياسة ستحد من ذلك؟
٣٠ يونيو ٢٠٢٤إلى غاية نهاية العام المنصرم، استمرت أعداد طالبي اللجوء في ألمانيا بالارتفاع، وهذا ما تؤكده الإحصائيات الرسمية. في السجل المركزي للأجانب، تم تسجيل نحو 3.17 مليون طالب لجوء في ألمانيا سنة 2023، ما يعني أن عدد الأشخاص المسجلين الباحثين عن الحماية ارتفع بنحو 95 ألف شخص، وهو ما يعادل 3 بالمئة مقارنة بعام 2022 حسب ما أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي في تقرير أعلن عن محتواه نهاية الشهر المنصرم.
هذه الإحصائيات، صارت تمثل على البلد ضغطا حسب السياسيين، الذين أعلنوا بعد توالي توافد اللاجئين من أوكرانيا وأفغانستان، حالة طوارئ في الكثير من الولايات الألمانية، فبدأت أصواتهم تتعالى طلبا لدعم الحكومة الفيدرالية، في ظل الضغط الذي تواجهه البلديات لأجل توفير السكن والمساعدات المادية التي ترافق استقبال طالبي اللجوء.
وكان من أهم المطالب، استكمال إجراءات اللجوء في مراكز الاستقبال الأولية بالولايات الفيدرالية، والتي جاءت على لسان رئيس اتحاد المدن والبلديات الألمانية، أندريه بيرغهيغر، الذي قال في تصريحات إعلامية سابقة "إن طالبي اللجوء الذين لهم الحق في البقاء قانونيا في ألمانيا، هم فقط من يجب توزيعهم على المدن والبلديات الألمانية".
حل الدول الثالثة!
الحكومة الألمانية، لم تلعب دور المتفرج في ظل الأزمة، بل انطلق بحثها عن الحلول ليشمل حلولا أكثر راديكالية مما وصل إليه سقف مطالب رؤساء البلديات، إذ بدأت وزارة الداخلية الاتحادية، نقاشا مع قانونيين وخبراء حول إمكانية القيام بمثل هذه الإجراءات خارج الاتحاد الأوروبي.
كانت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، قد قالت في تصريحات لصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه زونتاغس تسايتونغ" الألمانية، نهاية أبريل 2023 إنه يتم التخطيط "لاتفاقيات هجرة دستورية مع دول ثالثة".
ولما صار الحد من الهجرة إلى أوروبا ورقة في يد الأحزاب السياسية الألمانية، يتم التلويح بها خاصة في الفترات التي تسبق الانتخابات، فكان من البديهي أن يدعو الاتحاد المسيحي الألماني، الذي تصدر انتخابات البرلمان الأوروبي على مستوى البلد، إلى تنفيذ فكرة "البلدان الثالثة الآمنة" على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وتتضمن الفكرة نقل طالبي اللجوء في أوروبا إلى "بلد ثالث آمن" خارج الاتحاد الأوروبي ليخضعوا لإجراءات اللجوء هناك. كما يدعو الاتحاد المسيحي إلى تشكيل "تحالف" بالاتحاد الأوروبي لجلب لاجئين يحتاجون إلى الحماية من تلك الدول وتوزيعهم على الدول الأوروبية.
أما حزب البديل، الذي جاء ثانيا، فيريد إلغاء جميع القوانين المتعلقة بحق بقاء اللاجئين. ويقول إنه ينبغي أن "تُمنح الحماية من عواقب الحرب فقط طوال مدتها ولا ينبغي أن تؤدي إلى هجرة دائمة". كما يرفض الحزب فكرة "إعادة توطين" اللاجئين في الاتحاد الأوروبي، بل يطالب بترحيل اللاجئين و"إعادة توطينهم" في دول خارج الاتحاد الأوروبي. ويدعو الحزب أيضًا إلى إنشاء "مراكز احتجاز" بالقرب من الحدود، تهدف إلى ضمان "إجراءات إنهاء الإقامة في حالة عدم قبول طلبات الحماية".
حسن حسين، الخبير في شؤون الهجرة والسياسات الألمانية، يرى أن "هذا الحل غير مجد ولا يحل المشكلة من جوهرها أبدا، لأن هذا الحل مكلف ماديا، وهو ما يتضح من محاولة بريطانيا تنفيذه باتفاق مع رواندا، فقد أنفقت ملايين الدولارات ولم تستطع إلى الآن أن تنقل أي لاجئ إلى هناك".
وتساءل المتحدث "ألم يكن للأفضل صرف المبالغ الكبيرة إما على اللاجئين داخل بريطانيا، أو توظيفها لمكافحة أسباب اللجوء والهجرة في بلدان المنشأ؟". وأضاف شارحاً "إنها محض محاولة للهروب من الحلول الفعلية وللخروج من عنق الزجاجة التي تتواجد فيها الأحزاب السياسية الآن في ألمانيا، ومحاولة لاحتواء ما تحمله هذه الأزمة من تبعات قانونية واجتماعية وسياسية".
ويرى حسين أنه "ليس نظام اللجوء ولا اللاجئين هم المهددين في ألمانيا، بل النظام الديمقراطي برمته. " فأزمة اللاجئين في ألمانيا ستتحول من ظاهرة مجتمعية إلى ظاهرة مؤسساتية"، وهو أكبر تهديد للنظام الديمقراطي حسب المتحدث.
وضع حد أعلى لعدد اللاجئين!
ومن الأحزاب الألمانية، من اعتمد في مطالبه بسياسة أكثر تشدداً على معطيات أمنية، ومن بينها الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU، الذي دعا الحكومة الألمانية إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لقبول لاجئين جدد في البلد، مرجعا السبب إلى ارتفاع عدد الجرائم في ألمانيا والنسبة المرتفعة من المشتبه بهم الأجانب المرتكبين لها.
وقال وزير داخلية ولاية ساكسونيا أرمين شوستر لصحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية في تصريحات سابقا إن "هذا التطور السلبي الواضح في الأرقام، يظهر مدى توتر الظروف التي تتعلق بالاندماج، سواء تعلق الأمر بالإقامة أواللغة أوالعمل. ولهذا السبب نرى أن هناك حاجة ماسة إلى تحديد سقف لقبول اللاجئين".
الخبير في شؤون الهجرة، حسن حسين، يرى أن الربط بين ارتفاع معدل الجريمة وأزمة اللجوء ما هو إلا "محاولة لتشويه سمعة اللاجئين أكثر منه إسهام في حل الأزمة". فاللاجئ حسب المتحدث لا يعلم ولا يأبه بما يقوله السياسيون حوله، ووقف هذه الموجة الكبيرة من اللاجئين من مختلف بقاع العالم لأسباب إقتصادية بحتة.
ويقول المتحدث، أن الأصح هو أن يتم التركيز على مساعدة المجتمعات في المناطق التي تصدر مهاجرين، و مكافحة الفساد في تلك الدول، والإستثمار في مستقبل الشباب. أما ظاهرة العنف والجرائم فكانت موجودة دائما، حتى قبل وصول اللاجئين إلى ألمانيا. موضحا أن الجرائم المرتكبة والتي يتم تسليط الضوء عليها سياسياً وربطها باللجوء قام بارتكابها أفراد وليست مجتمعات بأكملها ومن المرفوض تجريم كل هؤلاء اللاجئين بعد قيام فرد واحد بجريمة، كما يفعل بعض السياسيون".
جعل ألمانيا أقل جاذبية: "نقص المساعدات والترحيل"!
من السياسيين من فكر في إجراءات أخرى قد تساهم في جعل ألمانيا بلداً أقل جاذبية بالنسبة للاجئين، ومن هنا برزت فكرة بطاقة الدفع بدل المساعدات النقدية، والعمل الإلزامي المجتمعي لأربع ساعات يومياً مقابل 80 سنتا في الساعة.
زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فريدريش ميرتس، الذي يطمح للترشح لمنصب المستشار في الانتخابات الاتحادية للعام 2025، قال في تصريح حول الموضوع "انخفض عدد طالبي اللجوء بين عشية وضحاها في المدن والاولايات التي انطلق العمل بهذه البطاقة! لأن أحد الأسباب الرئيسية لإقامة اللاجئين في ألمانيا هو الحصول على النقود، فجأة لم يعد متوفراً".
هذه المحاولات للحد من ظاهرة اللجوء عموما ستجعل السياسة أكثر قساوة مستقبلا، حسب حسن حسين، "وقد انطلقت فعليا مبادرات مؤسسة لذلك منها تقليص كبير للمساعدات وتحويلها لعينية بدل النقدية، وأيضا هناك حزمة كبيرة من الإجراءات المشددة التي تضغط بشكل كبير على اللاجئ وتجعل حياته في ألمانيا صعبة، ويشعر دائما أنه تحت ضغط مستمر، وهذه هي إشارة للآخرين الذين يفكرون في القدوم إلى ألمانيا".
أما فكرة الترحيل نحو بلدان تشهد أزمات مثل سوريا وأفغانستان التي صارت الحكومة تجري محادثات حولها مع أطراف أخرى مثل أوزبكستان، فيراها حسن حسين "غير مجدية أبدا، واستحضر هنا اللاجئ الأفغاني الذي قام بالهجوم على شرطي ألماني مما أدى لوفاته في الآونة الأخيرة قائلا "هل سيعاقب نظام طالبان الإرهابي سيعاقب هذا الشخص بعد ترحيله، أم سيستقبله كبطل ويطلق سراحه إلى الشارع؟".
وأضاف الخبير قائلا "يجب أن يبقى في ألمانيا ليقضي مدة عقوبته، حتى يشعر بالجريمة التي ارتكبها". وأضاف "هذه الإجراءات، ستنحو نحو القساوة تدريجيا في المستقبل القريب، لكن اللجوء حق في ألمانيا وسيستمر كذلك".