هل تفسد معارك العالم الافتراضي العلاقات المصرية الكويتية؟
٣ أغسطس ٢٠٢٠رغم تكرار إعلان الجهات الرسمية في البلدين على قوة ومتانة الروابط بينهما إلا أن العلاقات بين مصر والكويت شهدت خلال الأشهر الماضية من هذا العام أكثر من خلاف حاد على مستوى التصريحات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي على الأقل.
وأول فصول تلك الخلافات ظهرت بعد أن أدت تداعيات جائحة كورونا بالكثير من العمال الوافدين، والذين ينحدر القسم الأكبر منهم من الهند ومصر، إلى فقدان فرص عملهم والبقاء عالقين في الكويت، ينتظرون مصيرا مجهولا، علما بأن هناك تقديرات في مواقع الإنترنت بأن عدد المصريين بالكويت يزيد عن نصف مليون شخص.
وفي ظل الذعر من كورونا انتشرت الأخبار عن أن هناك من أبناء الجالية المصرية من لا يلتزم بالتدابير الصحية، التي اتخذتها الحكومة الكويتية لمواجهة الجائحة، ليبدأ هجوم على هؤلاء من قبل شخصيات كويتية شهيرة، بينها برلمانيون مثل النائبة صفاء الهاشم، التي تتناول العمالة المصرية كثيرا في تصريحاتها، وصحفيون مثل مبارك البغيلي، الذي كثيرا ما يهاجم المصريين على موقع تويتر، وتنتشر منشورات وتدوينات مسيئة للشعبين يرفضها العقلاء.
وبعد أن أرسلت الدولة المصرية طائرات لإجلاء أبنائها من الكويت، لم يلتزم كثير من العائدين بتدابير الحجر الصحي؛ لتتوقف رحلات العودة لفترة ويتأزم الموقف أكثر. وخلال مداخلة تلفزيونية نهاية مارس/ آذار الماضي، دعت الفنانة الكويتية الشهيرة حياة الفهد إلى ترحيل المصابين بكورونا من الأجانب عموما أو "نقلهم إلى الصحراء ". وتعرضت الفهد لهجوم كبير وتم اتهامها بـ"العنصرية"، قبل أن تعود في مداخلة على التلفزيون الرسمي المصري وتقول إنها لم تذكر اسم المصريين أو غيرهم من الجنسيات الأخرى وأنها "تعلمت الفن من المصريين".
وفي أيار/ مايو هاجمت فتاة كويتية غاضبة على وسائل التواصل المصريين في الكويت قائلة إنهم تم إحضارهم للكويت لـ"يخدموا" الكويتيين ومن ثم المغادرة.
وعلى موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" انتشر وسم تحت عنوان #طرد_المصريين_من_الكويت، طالب من خلاله مغردون كويتيون بالحد من العمالة المصرية والتي تعدها شريحة منهم سببا في إرهاق القطاع الصحي والاقتصادي وسط تفشي فيروس كورونا، فضلاً عن رغبتهم في التقليل من العمالة المصرية لصالح اليد العاملة المحلية. وشهد الوسم تفاعلاً كبيراً و خلق موجة غضب عارم في الأوساط المصرية. وتواصلت بعد ذلك تصريحات البغيلي ضد المصريين.
"العمالة السائبة" في الكويت
في مايو/ أيار الماضي، تصاعدت أصوات سياسية وشعبية في الكويت تطالب بإنهاء أزمة "العمالة السائبة" العالقة في البلاد، وهو مصطلح يُطلق على العمالة غير الشرعية في دول الخليج. وبدأت الكويت على مدار سنوات العمل على تخفيض عدد العاملين الأجانب في القطاع العام. وخلال الأيام الماضية بدأ الحديث عن مشروع قرار جديد للحكومة الكويتية بتخفيض نسبة العمال الأجانب من 70 بالمئة إلى ثلاثين بالمئة من عدد السكان، البالغ عددهم 4.4 مليون شخص. والقانون الخاص بالعمالة الوافدة سوف يؤدي إلى إنهاء عقود نصف الـ 920 ألف هندي ونصف الـ 520 ألف مصري وهما أكبر جاليتين في البلاد.وشقت بعض التغيرات طريقها وغادر أكثر من 100 ألف مغترب بسبب كورونا، حسب وسائل إعلام محلية.
بعد أزمة "العمالة السائبة"، دخلت العلاقات المصرية الكويتية (غير الرسمية) فصلاً جديداً من التوتر الأسبوع الماضي بعد انتشار مقطع فيديو ُيظهر إقدام مواطن كويتي على توجيه صفعات متتالية إلى وجه أحد العمال المصريين، داخل جمعية صباح الأحمد التعاونية بالكويت، حيث يعمل الأخير.
الواقعة فجرت ردود فعل غاضبة من الجانب المصري، فيما حظي العامل المصري بتعاطف واسع حتى من الجانب الكويتي. وأعرب كثير من الكويتيين عن رفضهم للتصرف الذي بدر من مواطنهم في حق العامل المصري وأثنوا بالمقابل على ردة فعل العامل، الذي لم يرد بالمثل على من صفعه.
غير أن بعض المغردين المصريين هاجموا الشاب المصري واتهموه بـ "الجبن وعدم الانتصار لكرامته"، ليتناقل عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي رسالة مؤثرة نسبت إلى العامل المصري، رد فيها على من هاجموه وجاء فيها: ".. أنا مقبلتش أنّه يضربني، بل لم أشعر بالضرب أساساً، أنا كنت بافكّر بالسّجن الذي ينتظرني في حال ترحيلي، وفي الحُلم اللّي ضاع، وحسرة أمي، وصدمة أبويا، وانكسار إخوتي وأخواتي في مصر (...)".
على وقع هذه الكلمات، تعاطف عدد أكبر من المصريين مع العامل المصري، وأعرب كثيرون عن "غضبهم من حكومتهم المسؤولة عن الظروف التي يعيشها هذا الشاب المصري وأمثاله من أبناء الشعب المصري خارج البلاد".
موجة الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي تحولت إلى رد فعل رسمي من الجانب الكويتي على مقطع الفيديو، بعد متابعة تحقيقات الواقعة مع الجانب المصري كما كشفت صحيفة "الأنباء" الكويتية عن اعتقال المواطن المعتدي وتسجيل قضية بحقه تحت عنوان "اعتداء بالضرب".
كما استدعت وزارة الداخلية المجني عليه، وطلب منه تسجيل قضية، وفقا للصحيفة.من جهتها، أشادت وزيرة الهجرة المصرية، نبيلة مكرم، وفق وسائل إعلام مصرية "بسرعة التحرك من قبل السلطات الكويتية التي لا تفرّق بين العاملين على أراضيها وتعامل المصريين معاملة الكويتيين".
من جانبه أكد السفير هشام عسران، قنصل عام مصر بالكويت أن "الحادث فردي لا يمثل متانة العلاقات الثنائية بين الشعبين واستقرار مئات الآلاف من العمالة المصرية بدولة الكويت". وفي رد فعل متعاطف مع العامل المصري، لاقى الثناء من مصريين وكويتين، أعلن ناصر العتيبي رئيس جمعية صباح الأحمد التعاونية التي شهدت الواقعة، عن تقديم استقالته من منصبه.
"أشرار التواصل الإجتماعي"
قبل يومين عاد التوتر بين مصر والكويت، بعد انتشار مقطع "تحدي حرق العلم الكويتي" الذي أطلقه اليوتيوبر المصري محمد رضا، دعا فيه بعض المصريين لحرق العلم الكويتي مقابل جائزة مالية قيمتها 500 دولار أمريكي.
الفيديو أثار غضبا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي في الكويت.وفي أول تعليق لها، أصدرت سفارة دولة الكويت بالقاهرة بياناً أعربت فيه عن استهجانها البالغ "لما تم تداوله، من مقاطع فيديو تضمنت دعوة لحرق علم دولة الكويت". من جانبها دعت السلطات المصرية "لاتخاذ الإجراءات اللازمة الكفيلة بردع مثل هذه الممارسات المرفوضة" وقد تم إيقاف اليوتيوبر قبل أن يفرج عنه في وقت لاحق.
في بيان لها قالت النيابة العامة المصرية إن التحقيقات مع المتهم أكدت أنه لم يقصد الإساءة إلى الكويت بل "توطيد العلاقات بين الشعبين". من جانبه طالب الكاتب الصحفي الكويتي، أحمد الجار الله، في تغريدة سابقة له الأمن المصري بالإفراج عن الشاب الذي أراد أن "يثتب أن شعب مصر محب لشعب الكويت وأن تلك المحبة لا تشترى بالمال". كما أشاد الكاتب الصحفى الكويتى، بموقف مصر من أزمة الإساءة لعلم الكويت وطالب الخارجية الكويتية بموقف مماثل وأشار في تغريدة أخرى على حسابه على "تويتر" إلى أن حالة التوتر التي تعيشها العلاقات المصرية الكويتية يقودها ما وصفهم بـ "أشرار التواصل الاجتماعي".
العلاقات تسير"من سيء إلى أسوأ"
الأزمات المتتالية التي تمر بها العلاقات المصرية الكويتية خلال هذا العام، تثير قلق خبراء ومراقبين يخشون من تطور التوتر إلى "الأسوأ"، كما علقت جريدة رأي اليوم اللندنية في افتتاحيتها :"العلاقات بين مصر والكويت تسير من السّيء إلى الأسوأ هذه الأيّام (...)". وأشارت الصحيفة في تعليقها أيضاً إلى "الدورالكبير الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض مُستخدميها “الانفِعاليين” في الجانبين في تأجيج وصبّ الزّيت على نارها، والتّأثير على حُكومتيّ البلدين ودفعهما إلى اتّخاذ خطوات انتقاميّة مُتبادلة، انعكست سلبيًّا على الشّعبين الشّقيقين في هذا الظّرف الحَرِج (...)". وفي ختام تعليقها طالبت الصحيفة حكومتي البلدين إلى "تطويق الأزمة وأن تتم مُعالجتها بطريقةٍ حضاريّةٍ (...)".
من جانبه استحضرالإعلامي الكويتي محمد أحمد الملا، المستشار الإعلامي لنقابة الصحفيين الكويتيين والكاتب الصحفي في تغريدة له على" تويتر" بعض المواقف التاريخية للمسؤلين المصرين تجاه الكويت وهو ما اعتبرها "مواقف خالدة يجب أن لا تُنسى في تاريخ العلاقات المصرية الكويتية".
الكاتب الصحفي المصري، دندراوي الهواري، وصف العلاقة بين مصر والكويت بـ "علاقة الإخوة" الذين يجمعهم المصير الواحد رغم اختلاف وجهات النظر بينهم، كما كتب في تغريدته التالية:
يوم السبت (الأول من آب/أغسطس 2020) قررت الكويت إدراج مصر ضمن 31 دولة على قائمة الدول التي تحظر على القادمين منها دخول البلاد بسبب تفشي فيروس كورونا فيها، وهو قرار اعتبرته بعض الأصوات في مواقع التواصل الاجتماعي ضد مصر، رغم أنه يسري على دول أخرى. لكن الكويت أكدت في اليوم التالي (أمس الأحد) أن قرار وقف رحلات الطيران من مصر سيكون محل مراجعة خلال الفترة القادمة.
إيمان ملوك