هل نجحت أوروبا في احتواء أزمة الديون السيادية؟
٣٠ أكتوبر ٢٠١١بعد مفاوضات ماراثونية وشاقة توصلت دول منطقة اليورو ليل الأربعاء- الخميس (26-27 تشرين الأول / اكتوبر) إلى اتفاق بشأن خطة شاملة لاحتواء الأزمة المالية في منطقة اليورو وتجنب إعلان اليونان إفلاسها. وشملت الخطة شطب نصف ديون اليونان المستحقة للبنوك وكذلك إلزام المصارف الأوروبية الكبرى بزيادة رأسمالها، وبالتالي مواجهة خطر الإفلاس والأزمة في السيولة. أما الجزء الأهم من خطة الإنقاذ الأوروبية فيشمل رفع سقف صندوق الاستقرار المالي الأوروبي ليكون قادرا على احتواء أزمات محتملة وتجنب امتداد الأزمة المالية إلى دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا واسبانيا وايرلندا والبرتغال.
هذه القرارات انعكست بشكل إيجابي على الأسواق المالية التي شهدت ارتفاعا ملحوظا، بيد أن النقاش داخل الأوساط المالية والسياسية مازال متواصلا حول مدى قدرة هذه الإجراءات على احتواء أزمة الديون في منطقة اليورو على المدى البعيد، لاسيما أن أزمة المديونية لازالت قائمة في المنطقة كما أن اليونان مازالت تعاني من عجز كبير في الموازنة.
"اتفاق بروكسل بداية حاسمة لاحتواء الأزمة"
اعتبر الخبير الاقتصادي بارق ثبير، خلال مشاركته في برنامج كوادريغا الذي تبثه قناة دويتشه فيله عربية، أن "قمة بروكسل تُعد بداية حاسمة وخطوة مهمة لاحتواء الأزمة التي تعيشها منطقة اليورو منذ سنتين"، إذ نجحت حسب رأيه في تجنيب اليونان إعلان إفلاسها، الأمر الذي كان سيؤدي إلى فوضى عارمة في أسواق المال وربما انتقال الأزمة إلى دول أخرى مرشحة لذلك.
وبدوره اعتبر الصحفي العراقي والخبير في الشؤون الاقتصادية، ناجح العبيدي أن القرارات كانت مهمة، لكنه لفت إلى ضرورة التفريق بين التعامل مع الأزمة الحالية والاجراءات التي ينبغي اتخاذها من أجل تجنب أزمة قادمة وقال: "الاتحاد الأوروبي لا يزال بعيد في الإجراءات المطلوبة لكي لا تتكرر هذه الأزمة مرات أخرى". ويضيف: "المسألة تتطلب إجراء تغييرات في مؤسسات الاتحاد الأوروبي وإعطائها صلاحيات أوسع وتأسيس ما يدعى حكومة اقتصادية لتجنب الأزمة القادمة".
أما ميلان خلوصي، رئيس الاتحاد الألماني- العراقي للأعمال، فيرى أنه "تم حل مشكلة اليونان مؤقتا وليس على المدى البعيد".
أما فيما يتعلق بإلزام البنوك الأوروبية بزيادة رأسمالها الأساسي ورفع احتياطاتها المالية من 4 % إلى 9 %، فقد انتقد خلوصي تدخل الدولة في النظام المصرفي باعتباره يتعارض مع مبدأ النظام الرأسمالي. في حين اعتبر الخبير الاقتصادي بارق سبر إعادة رسملة البنوك إجراءً ضرورياً سيساعد البنوك على مواجهة حالات إفلاس وحالات نقص في السيولة. وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه العبيدي، فهو يرى أن هذا القرار جاء لقطع الطريق أمام احتمال انتقال أزمة الديون السيادية إلى القطاع المصرفي ثم انتقالها إلى القطاع الاقتصادي.
توسيع مظلة الإنقاذ الأوروبية
على صعيد آخر تأمل الدول الأوروبية أن يساهم المستثمرون الأجانب من الدول الصاعدة مثل الصين والبرازيل في دعم جهودها في التصدي لأزمة المديونية من خلال مساهمتهم في تمويل الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي الذي قرر قادة دول منطقة اليورو في بروكسل رفع قدرة التدخل المنوطة به لتصل إلى ألف مليار يورو في مرحلة أولى. وتجدر الإشارة إلى أن الصين وحدها تملك أكبر احتياط عالمي من العملة الصعبة يتجاوز الـ 3 تريليون دولار.
في غضون ذلك توقع مراقبون أن يجري رئيس الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي، كلاوس ريغلينغ الذي توجه يوم الجمعة إلى الصين، إجراء محادثات مع بكين بشأن استثمارات صينية في الصندوق الأوروبي. بيد أنه نفى قيامه بأي مفاوضات في هذا الاتجاه، معتبرا أن زيارته تأتي في إطار "مشاورات عادية في مرحلة أولية". وفي نفس السياق لم يستبعد الخبراء الاقتصاديون المشاركون في حلقة كوادريغا، قيام الصين بوضع شروط سياسية قبل مساهمتها في أزمة الديون السيادية في أوروبا مثل الاعتراف بالصين كاقتصاد سوق أو الاعتراف بالعملة الصينية كجزء من هذا الصندوق. جدير بالذكر أن الصين تملك حاليا بحسب تقديرات خبراء اقتصاديين أزيد من 500 مليار دولار من ديون الدول الأوروبية.
طارق أنكاي
مراجعة: عارف جابو