هل ينجح "الردع الأمني" في القضاء على الإرهاب في مصر؟
٩ أغسطس ٢٠١٩ردا على التفجير الإرهابي، الذي وقع أمام مقر المعهد القومي للأورام بمنطقة منيل الروضة بالقاهرة، والذي راح ضحيته 20 قتيلا على الأقل، أعلنت السلطات المصرية عن مقتل "إرهابيين" خلال عملية نفذتها قوات الأمن ضد "أوكار إرهابية" لحركة حسم، التي يصنفها النظام المصري مجموعة إرهابية تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين.
وها هو حادث إرهابي جديد، يعقبه تعامل أمني سريع، مُسفراً عن مقتل "إرهابيين"، ومثيراً لتساؤلات حول مدى فعالية الحرب على الإرهاب التي أعلنتها الدولة المصرية منذ فترة .
"غياب الشفافية والمصداقية"
صباح اليوم الجمعة، أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن استهدافها لـ "وكرين للإرهابين" بمحافظتي القاهرة والفيوم، ما أسفر عن مقتل 15 شخصا بعد "محاولة تفجير عبوات ناسفة" كانت بحوزة المجموعة الأولى منهم، و"تبادل لإطلاق النيران" مع المجموعة الثانية، وفقا لبيان الوزارة، المنشور عبر حسابها الرسمي على موقع تويتر.
كما حددت الوزارة هوية مرتكب حادث معهد الأورام، حيث أعلنت أنه عضو بحركة "حسم" وهارب من أمر ضبط وإحضار على ذمة قضية إرهابية في عام 2018، وتم التأكد منه "بمضاهاة البصمة الوراثية للأشلاء المستخرجة من موقع الحادث مع نظيرتها من أفراد أسرته".
ويتعجب عمرو مجدي، الباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان، من "سرعة كشف الأمن المصري لهوية مرتكبي الحادث"، وقال في حوار مع DW عربية: "أنجح الأجهزة الأمنية في العالم يمكن أن تقضي شهوراً وسنواتٍ طويلة من البحث والتحري حتى تتوصل إلى المتهم في قضايا كبرى، مثل ما وقع في الحوادث الإرهابية التي شهدتها باريس وبلجيكا".
كما أشار مجدي إلى قيام منظمة هيومن رايتس ووتش بتوثيق "وقائع سابقة لقيام الأمن المصري بإلقاء القبض على متهمين وتصفيتهم والإعلان عن قتلهم في اشتباكات مسلحة دون عرض الأمر على القضاء"، وقال إن إسناد هذا النوع من القضايا في مصر إلى نيابة أمن الدولة العليا يتسبب في "صعوبة متابعة ما توصلت إليه التحقيقات في ظل عدم إصدار بيانات لاحقة وتحكم الأجهزة الأمنية في كل المعلومات والبيانات".
أما الخبير في شئون مكافحة الإرهاب، العقيد حاتم صابر، فقد اعتبر سرعة تعامل الأجهزة الأمنية المصرية دليلا على "طفرة غير مسبوقة لدى أجهزة وزارة الداخلية في إمكانية تحديد وضبط عناصر حركة حسم الإرهابية بهذه السرعة"، وفقا لتصريحات له لصحيفة أخبار اليوم، المملوكة للدولة المصرية.
ويؤكد الباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش عمرو مجدي أنه "لا نقول إن من تم قتلهم بالضرورة أبرياء وغير متورطين، نحن فقط نتحدث عن غياب الشفافية والمصداقية".
هل تقييم الحرب على الإرهاب ممكننا؟
رصد عواقب السياسات التي تتبعها مصر في محاربة الإرهاب وقياس مدى نجاحها أو إخفاقها لا يُعد بالأمر السهل، فما يراه البعض تقدماً ملموساً ربما لا يراه آخرون كذلك. فقد تراجع أداء مصر أمنيا لتحتل المركز التاسع عالميا بين أكثر الدول تأثرا بالإرهاب وفقا لتقرير عام 2018 من المؤشر العالمي للإرهاب، الذي يصدره معهد الاقتصاديات والسلام (IEP)، الذي يقع مقره الرئيسي في سيدني بأستراليا. وللمقارنة كانت مصر تحتل المركز الحادي عشر في تقرير عام 2017.
أما من حيث عدد العمليات الإرهابية فتؤكد الهيئة العامة للاستعلامات في مصر على تراجعه ليصل العدد إلى ثماني عمليات فقط في عام 2018، مقارنة بخمسين عملية في عام 2017.
وفي دراسة تحليلية حول خصائص وأسباب العمليات الإرهابية في مصر منذ يناير/ كانون الثاني 2011 وحتى يناير/ كانون الثاني 2017، أشار الباحث في شؤون الإرهاب بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أحمد كامل البحيري، إلى "عدم وجود استراتيجية واضحة لمحاربة الإرهاب" كواحد من أسباب وقوعه".
كما يرى البحيري في دراسته أنه: "بالرغم من بعض النجاحات، التي حققتها الأجهزة الأمنية في مواجهة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، بالنظر في منحنى العمليات الإرهابية نجد أنها مرتفعة نسبيا مقارنة بعدد ما يتم إبطاله من قبل قوات الأمن قبل الوقوع".
إلا أن نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتورعمرو هاشم ربيع، في مقابلة سابقة أجرتها معه DW عربية، يرى أن "أداء الجماعات الإرهابية في مصر يتسم بالعشوائية وأن المؤشرات الأخيرة للعمليات الإرهابية تتجه نحو الهبوط".
ويُشير ربيع إلى الدور، الذي تلعبه العوامل الاقليمية، ويؤكد على ضرورة وضع خروج عناصر تنظيم داعش من سوريا والعراق في الاعتبار ويقول: "التساؤل الذي يجب طرحه الآن هو إلى أين ستتجه هذه العناصر؟ فبالرغم من انخفاض معدلات وقوع الحوادث الإرهابية في مصر، الوضع الإقليمي يتنبأ بعدم إمكانية انحسار الإرهاب، وليس لهذا علاقة بأداء سلطات الأمن المصري".
عواقب الحرب على الإرهاب
يرى البعض أن من أسباب صعوبة التقييم الموضوعي للسياسات التي تتبعها الدولة المصرية في حربها على الإرهاب، خاصة في شمال ووسط سيناء، هو حظر التغطية الإعلامية لها، إذ تقتصر المعلومات المتاحة حول الحرب على ما تتيحه الجهات الرسمية من ناحية، وما تعلنه الجماعات الإرهابية على الإنترنت من ناحية أخرى.
ويقول نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو هاشم ربيع: "ليست المشكلة فيما يتعلق بالمعلومات التي تصلنا عن العمليات العسكرية أو الهجمات الإرهابية لأنها تصلنا في النهاية، حتى وإن كانت متأخرة قليلا، إنما المشكلة تتمثل في عدم معرفتنا بعواقب الإرهاب والحرب عليه وتأثير ذلك على الحياة بشمال سيناء".
ويعبر الباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش، عمرو مجدي، عن تخوفه من تسبب اتباع الحل الأمني لمواجهة الإرهاب في "خلق أجيال من المتطرفين لرغبتهم في الانتقام" ويقول في حديثه مع DW عربية: "لا توجد صحافة أو منظمات حقوقية يمكنها أن تكبل يد قوات الأمن في حربها على الإرهاب. وإنما العكس فأي معركة ضد مجموعات إرهابية يمكن للمجتمع المدني أن يكون طرف أساسي في كسبها".
ويوضح عمرو مجدي أن "الأمر يتعلق بإقناع الرأي العام بالخطر وتوضيح آليات التخلص منه، وضمان مشاركة المواطنين في مواجهة هذه التحديات الأمنية، حتى لا تتكون لدى بعض شرائح المجتمع قناعة بأن ما يحدث هو مجرد بطش بالمواطنين وليس حرباً على الإرهاب، ما يؤدي إلى استمرار العنف بدون توقف"، حسب تعبيره.