"وثيقة الدوحة للسلام في دارفور ـ اتفاقية ورقية غير قابلة للتطبيق"
١٦ يوليو ٢٠١١بينما كان المسؤولون القطريون يضعون اللمسات الأخيرة على اتفاقية السلام في إقليم دارفور بين حكومة الخرطوم وفصيل مغمور من الفصائل المتمردة في الإقليم، كانت الأنظار موجهة إلى نيويورك حيث بدا أعضاء مجلس الأمن الدولي مشغولين بوضع اللمسات الأخيرة على الاعتراف بأحدث دولة في العالم: دولة جنوب السودان. وبالرغم من أن الحكومة القطرية وضعت كل ثقلها التفاوضي، والمكانة الجديدة التي اكتسبتها في السنوات الأخيرة كوسيط ناجح، فإن الحدث النيويوركي سرق الأضواء من احتفالات الدوحة التي بدت باهتة رغم مشاركة قادة أفارقة كبار في مراسم التوقيع على اتفاقية السلام في دارفور.
فبعد ثلاثين شهرا من المفاوضات بين الحكومة السودانية وفصائل التمرد في دارفور برعاية مباشرة من الحكومة القطرية ودعم من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، توصل الطرفان إلى اتفاقية سلام أطلق عليها اسم "وثيقة الدوحة للسلام في دارفور". وبينما ترى الحكومة السودانية في وثيقة الدوحة "اتفاقا نهائيا للسلام"، وصفها المتحدث الرسمي باسم حركة العدل والمساواة، جبريل آدم بأنها "اتفاقية توظيف، إذ تعطي وظائف دبلوماسية لمن وقع عليها وتفشل في إيجاد حلول للمشاكل الحقيقية في دارفور". يشار إلى أن حركات التمرد الكبرى كحركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور وكذلك مجموعة ميني اركو ميناوي رفضت الانضمام إلى هذه الاتفاقية.
الخرطوم والبحث نصر يعوض انفصال الجنوب
ويضيف جبريل آدم، في حوار مع دويتشه فيله، أن الوساطة القطرية المدعومة دوليا وعدتنا مرارا وتكرارا بأنها لن تدفع باتفاقية للتوقيع إلا إذا ضمنت سلاما شاملا للإقليم لأن الاتفاقيات الثنائية (بين الخرطوم و فصيل من الفصائل) كانت تنتهي دوما إلى الفشل. واليوم تصف الخرطوم اتفاقية الدوحة بأنها نهائية وشاملة وستؤدي إلى سلام شامل في الإقليم "لكن للأسف بعد سنتين ونصف من المفاوضات توصلنا إلى اتفاق وقعت عليه الحلقة الأضعف في قوى المقاومة في دارفور".
و"الحلقة الأضعف" التي وقعت الاتفاقية هي حركة التحرير والعدالة برئاسة التيجاني السيسي. وهذه الحركة تضم تحالفا من المنشقين عن الحركات المتمردة الكبرى ولا تتمتع بثقل عسكري كبير في دارفور. ويرى آدم أن الحكومة السودانية سارعت إلى التوقيع على هذه الاتفاقية دون الاكتراث بمواقف الفصائل الأساسية لأنها "تدرك أن الشعب السوداني كله مستاء منها بعد انفصال الجنوب وبالتالي هي تبحث عن مثل هذه الاتفاقيات لتخدير الشارع السوداني". وهو ما تؤكده أيضا الباحثة المصرية في الشأن السوداني أماني الطويل التي ترى أن الحكومة السودانية كانت تبحث عن "نصر في نفس توقيت انفصال الجنوب".
المجتمع الدولي يدير ظهره لمتمردي دارفور
وتضيف الطويل، في حوار مع دويتشه فيله، بأن الخرطوم تقدم هذه الاتفاقية للشعب السوداني بوصفها "سدت بؤرة للتوتر وأنها قادرة على إيجاد الحلول للمشاكل التي تعاني منها البلاد". وتشدد الباحثة في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية على أن الخرطوم تدرك أن المجتمع الدولي انصرف جزئيا عن الاهتمام بمشكلة دارفور وفضّ يديه من فكرة التعامل مع الفصائل المسلحة في الإقليم رغم أوزانها القبلية. وحسب الباحثة المصرية فإن الصراعات العسكرية بين هذه الفصائل وعدم قدرتها على توحيد موقفها التفاوضي، عوامل تقف وراء تراجع الاهتمام الدولي بملف دارفور.
وتضيف الطويل سببا آخر وراء تراجع الاهتمام الرسمي الدولي بأزمة دارفور وهو تحول اهتمام منظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة وأوروبا إلى جنوب السودان. وبذلك تكون الحركات المتمردة قد خسرت داعما كبيرا لأن ضغط هذه المنظمات على حكوماتها قد زال. ومشاركة المجتمع الدولي في احتفالات التوقيع على اتفاقية الدوحة "يعني فعلا أنه فض يديه من الفصائل التي لم توقع على وثيقة السلام رغم أنه كان يقدم لها الدعم إلى وقت قريب".
اتفاقية غير قابلة للتطبيق
أما الكاتب والصحافي السوداني فيصل محمد صالح فيقول "إن هذه الاتفاقية غير قابلة للتطبيق على الأرض لأن موازين القوى على الأرض تختلف عن الموازين التي سادت في ساحات التفاوض في الدوحة". ويتساءل صالح، في حوار مع دويتشه فيله، لا أدري كيف سيتم تنفيذ هذه الاتفاقية والحركات المتمردة المسيطرة على الأرض خارج دائرة التفاوض؟ ويضيف قائلا: "كيف يمكن أقناع النازحين بالعودة إلى قراهم وهم يعرفون أن النزاع المسلح قد يندلع في أية لحظة؟ هذه اتفاقية ستظل ورقية إلى أن يفتح باب التفاوض من جديد أو يتم إقناع الحركات الكبرى بالانضمام إليها".
ولا يختلف رأي الباحثة المصرية أماني الطويل عن رأي زميلها السوداني فهي لا ترى أي فرصة لتفعيل هذه الاتفاقية وتطبيقها على أرض الواقع. فهذه الاتفاقية، أو "وثيقة الدوحة للسلام في دارفور"، حسب الطويل، تشكل "مخرجا دبلوماسيا لكل من السودان ودولة قطر من الطريق المسدود الذي كانت الأزمة في دارفور قد وصلت إليه. وهي أزمة قابلة للتفاعل في المراحل المقبلة من تاريخ السودان".
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي