إيران بعد عام من حكم أحمدي نجاد: مزيد من النفوذ الاقليمي والعزلة الدولية
٣ أغسطس ٢٠٠٦أثناء حملته الانتخابية كانت ملامح سياسة محمود أحمدي نجاد المثيرة للجدل قد بدأت تتشكل، لاسيما فيما يتعلق بعلاقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الغرب، التي كانت في عهد سلفه قد بدأت تتحسن ولو جزئيا. وما أن وصل إلى سدة الحكم حتى تلاشى ذلك التقارب النسبي، أو لنقل الغزل الخجول بين إيران والغرب ليعود التوتر بين الجانبين. وجاء التشدد في موضوع الملف النووي والخطب النارية المعادية لإسرائيل والغرب ليقصما ما تبقى من شعرة معاوية ولتصبح طهران في مواجهة مفتوحة ومباشرة مع الدول الغربية. ومن الأمور الملفتة للنظر أن أولى الخطوات التي قام بها أحمدي نجاد بعد انتخابه رئيسا للبلاد هي تخفيض ميزانية "حوار الحضارات" التي أنشأها الرئيس السابق خاتمي، الأمر الذي يعد مؤشرا على عدم إيمان أو على الأقل اهتمام الرجل بحوار الحضارت أو عدم جدوى مثل هذا الحوار بنظره. ومن الخصائص الأساسية في شخصية أحمدي نجاد اعتماده على الخطاب التعبوي، الذي يلهب به حماس جماهير شعبة والرأي العام العربي والإسلامي. لكنه على عكس الرؤساء الإيرانيين السابقين لم يفرق بين الخطاب الموجه للخارج كالذي ألقاه مثلا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وبين مجمل الخطابات الموجه للداخل أو محاضراته في مجمع للفقهاء والملالي. لقد جعل نجاد من السياسة الخارجية محور اهتمامه على حساب الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه أمام الناخب الإيراني، خاصة المتعلقة بتوزيع ثروات النفط بشطل عادل على كافة شرائح المجتمع الإيراني.
شخصية نجاد: ثيوقراطي مثير للجدل
بقدر ما أثارت شخصية أحمدي نجاد المثيرة وكذلك سياسته الأكثر إثارة للجدل، حفيظة الأطراف الدولية والإقليمية، بقدر ما حظيت باهتمام المراقبين والمحللين السياسيين إلى الحد الذي أصبح البعض يتحدث عن "ظاهرة احمدي نجاد". لقد كانت أولى خطوات السياسي المحافظ بعد تسلمه الحكم تدل على نهجه، فقد زار ضريح قائد الثورة الإيرانية أية الله الخميني قبل أن يتوجه للقاء الزعيم الروحي للبلاد وصاحب أوسع السلطات أية الله خامنئي. ولم يحتفل نجاد بفوزه في الانتخابات بل توجه إلى المسجد لشكر الله على الفوز. ويرى المحللون بأن رؤية نجاد السياسية ونهجه يرتكزان على ضرورة العودة إلى جذور الثورة الإيرانية في بداية عهدها. وفي هذا السياق يشير المحلل السياسي الألماني بيتر فليب الى قدرة نجاد في إلهاب حماس الجماهير بعد عام من تولية السلطة، لكنه سياسيا عزل إيران في زاوية ضيقة. وإذا ما بحث المرء عن سبب منطقي لهذه السياسة فلن يجد، حسب فيليب، سوى تفسير واحد وهو ان "نجاد يرغب في إعادة إحياء الروح الثورية للثورة الإيرانية." ويرى فيليب انه فقط في ظل هذه العزلة يستطيع مثل هذا النظام الثيوقراطي البقاء والاستمرارية.
العلاقة مع الغرب: ذكاء السياسي وعقلية الفقيه
اتسمت فترة حكم نجاد بروح المواجه والتصعيد مع الغرب حينا والمراوغة والمهادنة أحيانا أخرى. رفض الحلول الوسط والامتثال "لعصا الغرب" كما انه لم يقتنع "بجزرته". أبدى استعداده لبحث عروض ورشاوى المجتمع الدولي لكنه تشدد في التمسك بما يسميه حق بلاده في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، رافضا التنازل عن ذلك قيد أنمله. لعب أحمدي نجاد كثيرا على المتناقضات الدولية بذكاء السياسي، لكنه تعامل مع المجتمع الدولي بعقلية الفقيه وراهن على عامل الزمن حتى ضاقت الدائرة حول عنق بلده. لم يستغل الاعتدال الأوروبي في مواجهة التطرف الأمريكي حتى التقى الطرفان في جبهة واحدة ضد طهران. صحيح إن طهران لا تزال تراهن على الموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن، لكن هذا الرهان يفقد قيمته شيئا فشيئا مع مرور الوقت. قد تكون طهران قد أفلتت من العقوبات الدولية حتى الآن لأسباب كثيرة منها ما هو متعلق بمصالح اقتصادية للدول الغربية ومنها ما له علاقة بالأوضاع الدولية والإقليمية، لكن قد تتغير المعادلات والحسابات في المستقبل المنظور لغير صالح الجمهورية الإسلامية، لاسيما إذا وصلت الدول الغربية إلى قناعة بأن إيران تنتج فعلا أسلحة نووية أو ان طهران تشكل تهديدا لأمن إسرائيل ولتدفق النفط من المنطقة.
إيران: لاعب إقليمي غير مرغوب فيه الآن
في عهد أحمدي نجاد زادت التطلعات الإيرانية إلى لعب دور مؤثر في المحيط الإقليمي وبالتالي زيادة نفوذها في المنطقة. وساهمت ظروف إقليمية ودولية في زيادة الدور والنفوذ الإيرانيين في المنطقة مما مهد لتدخل إيراني مباشر وغير مباشر في الشئون الإقليمية. ومع أن دور إيران ونفوذها في المنطقة يثيران قلق دولي وإقليمي، إلا ان واقع الامر يشير الى أن الأطراف المعنية تجد نفسها مضطرة للتعامل معه على الأقل في الوقت الراهن. ويرى محللون أن عهد أحمدي نجاد شهد زيادة التدخل الإيراني في العراق لدعم قوى سياسية/طائفية تلعب بإسم طهران دورا في إدارة اللعبة السياسية في هذا البلد. ولقد وفر غياب نظام صدام حسين لإيران الفرصة، ليس فقط لان تكون القوة الوحيدة في هذا الجزء من المنطقة، بل وان تلعب أيضا دورا مباشرا في العراق وأن تصبح طهران على احتكاك مباشر مع عدوها اللدود و"الشيطان الأكبر" أمريكا، كما دأبت القيادات الإيرانية على تسمية واشنطن. كما ومدت طهران يدها أكثر لمساعدة حزب الله اللبناني لتجعل منه العصا التي تضرب بها صديقة الغرب إسرائيل، مما قد يزيد من شعور هذا الغرب ـ من وجهة نظر طهران ـ بحاجته إلى دور طهران كلاعب إقليمي لا غنى عنه. ويدور الحديث حاليا، في ظل ظروف الحرب الدائرة في لبنان، بأن إيران تتحكم بشكل كبير بتلابيب الأزمة، ولابد من إشراكها في أي جهود لإحلال السلام. وتشعر إيران على الدوام بأنها يجب ان تلعب دورا إقليميا يتناسب وحجمها في المنطقة. في هذا السياق يتحدث بعض المحللين عن أن إيران وجدت في حرب حزب الله مع إسرائيل فرصة لصرف نظر المجتمع الدولي عن ملفها النووي. يذكر هنا أن أحمدي نجاد كان قد أشار صراحة يوم الاثنين الماضي قبيل صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بأن الإحداث الجارية في لبنان وفي فلسطين أثرت على موقف بلاده ازاء سياسة عرض القوى الكبرى الهادف إلى تشجيع طهران على التخلي عن نشاطاتها النووية.