السعودية والإمارات ـ صراع خفي على النفوذ وزعامة المنطقة؟
٢٠ يوليو ٢٠٢٣منذ فترةٍ ليست بالبعيدة، نُشرت عدة تقارير في وسائل إعلامٍ مختلفة تحدثت عن "فُتورٍ" في العلاقات السعودية - الإماراتية. فتورٌ تحول مع الوقت إلى نزاعٍ على قيادة المنطقة الخليجية والعربية بأكملها، حتى خرج الخلاف أخيراً إلى العلن بتصريحات لولي العهد السعودي الذي قال إن الإمارات طعنت بلاده في الظهر.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية انفردت بنشر تصريحات الأمير محمد بن سلمان، والتي جاءت خلال لقائه بعدد من الصحفيين المحليين بالرياض في مؤتمرٍ صحفيٍ "نادر وغير رسمي" عقد في ديسمبر/كانون الأول وتحدث فيه بكلمات قوية أذهلت الحضور، حيث اتهم دولة الإمارات - الحليف الاستراتيجي للسعودية منذ عقود - بأنها "طعنتنا في الظهر"، وواصل حديثه قائلاً: "سيرون ما يمكنني القيام به".
نارٌ تحت الرماد
تفجر الخلاف بين الأمير محمد بن سلمان - 37 عاماً - ومعلمه السابق، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان -62 عاماً، مُظهراً بجلاء طبيعة المنافسة على حيازة القوة الجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط وفي أسواق النفط العالمية.
أمضى بن زايد وبن سلمان ما يقرب من عقد من الزمان في الصعود إلى قمة القيادة السياسية في العالم العربي في مسيرة اقتربا خلالها في الأفكار والتوجهات، لكنهما الآن يتنازعان حول من يتخذ القرارات في الشرق الأوسط، وسط مشهد يخفت فيه التواجد الأمريكي شيئاً فشيئاً.
النزاعُ المتصاعدُ بين الرجلين القويين أثار قلق الولايات المتحدة. إذ أبدى مسؤولون أمريكيون توجساً من أن التنافس الخليجي قد يجعل من الصعب إقامة تحالف أمني موحد لمواجهة إيران، وإنهاء الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات في اليمن، إلى جانب ملف تطبيع العلاقات الدبلوماسية لإسرائيل مع الدول الإسلامية.
مسؤول كبير في إدارة بايدن قال لصحيفة وول ستريت جورنال إن "هذان شخصان طموحان للغاية ويريدان أن يكونا لاعبين رئيسيين وأساسيين في المنطقة". وتشير تحليلات أمريكية إلى أن الرجلين كانا حتى وقتٍ قريبٍ يتعاونان على مستوىً ما، لكن الآن لا يبدو أن أياً منهما مرتاحٌ لوجود الآخر على المستوى نفسه الذي يتواجد فيه غريمه من القوة والحضور الاقليمي والدولي. يقول المسؤول الأمريكي: "بشكلٍ عام، ليس من المفيد للولايات المتحدة أن يكون بينهما هذا القدر من الخلاف العميق".
كانت مجلة كولومبيا بوليتيكال ريفيو قد نشرت في أبريل/نيسان من هذا العام تقريراً استندت فيه إلى تقرير لصحيفة نيويورك تايمز نشر في يونيو/حزيران من عام 2019 ذكرت فيه أن أقوى حاكم عربي ليس محمد بن سلمان وإنما محمد بن زايد في إشارة إلى النفوذ المتزايد لدولة الإمارات العربية المتحدة . لكن يبدو أن رعاية الإمارات لاتفاق أبراهام والدور القيادي لأبو ظبي في التحالف النامي المناهض لإيران والتفاهم المتواصل مع التوجهات الأمريكية، كلها أمور دفعت بالإمارات إلى المقدمة، وهو ما أثار حفيظة السعودية التي كانت تعتقد أن كل ما هو في الخليج تحت قيادتها.
وبحسب وول ستريت جورنال، فإن بن زايد وبن سلمان لم يتحدثا منذ أكثر من ستة أشهر، بحسب ما قال أشخاصٌ مقربون منهما، فيما امتدت نزاعاتهما الخاصة إلى العلن.
ورغم النفي الإماراتي المستمر عبر جهات وشخصيات متعددة لوجود مثل هذا الخلاف، لكن الشواهد التي تدعم وجوده متعددة ولا يستهان بها
خلافات عميقة حول ملفاتٍ عدة
وللصراع على الزعامة ملفات متعددة لعل منها المنافسة المحتدمة على شراء الأندية الأوروبية لتكون واجهة دعائية لكلا البلدين كجانب من حيازة القوة الناعمة.
فقد اشترت السعودية ف عام 2021 نادي نيوكاسل الإنجليزي وبدأت الاستثمار في أسماء كبرى للاعبين عالميين، فيما اشترت الإمارات نادي مانشستر سيتي - وهو ملك لعضو بارز في العائلة الحاكمة في أبو ظبي. هذا التنافس على شراء الأندية الانجليزية من جانب السعودية أثار غضب بن زايد بشدة - بحسب الصحيفة - فيما يعتقدُ مسؤولون خليجيون أن بعض "الزلات الخطيرة" قد ارتُكِبَت من جانب السعودية في هذا الملف.
أيضاً، وكجزءٍ من خُطط بن سلمان لإنهاء الاعتماد الاقتصادي للسعودية على النفط، فقد بدأ في دفع الشركات العالمية إلى نقل مقارّها الإقليمية من دبي وأبو ظبي إلى الرياض، في منافسةٍ محمومة، وخصوصاً لدبي ذات السمعة العالمية في مجالات التقنية والاتصالات وغيرها من النشاطات الاقتصادية.
ويخططُ بن سلمان أيضاً في إطار المنافسة المحمومة للإمارات لإنشاء مراكز تقنية بمستويات متطورة للغاية، وإلى جذب المزيد من السياح وتطوير محاور لوجستية من شأنها أن تنافس مكانة الإمارات كمركز للتجارة في الشرق الأوسط. كما أعلن في مارس/آذار عن تأسيس شركة طيران وطنية ثانية تنافس طيران الإمارات ذات التصنيف العالي.
اليمن .. محطة خلاف محتدم
من المعروف أن لكلا البلدين مصالح استراتيجية في متباينة في اليمن، ما قوًّض الجهود المبذولة لإنهاءِ الصراع في البلد الذي دمرته الحرب.
وتُواصلُ الإمارات دعم حركة انفصالية يمنية تسعى إلى استعادة الدولة اليمنية في الجنوب، الأمر الذي قد يدمر المساعي الهادفة إلى الحفاظ على وحدة البلاد. وانتقلت شرارةُ الخلاف بين الجانبين إلى القوات المتحالفة على الأرض في اليمن، إذ قام المقاتلون المدعومون من السعودية والإمارات - والذين كانوا يعملون معًا لهزيمة قوات الحوثي المدعومة إيرانياً - قاموا في بعض الأحيان بإطلاقِ أسلحتهم على بعضهم البعض.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، رعت الإمارات توقيع اتفاق أمني مع مجلس قيادة الرئاسة اليمني - المدعوم من السعودية - ما يمنح أبو ظبي حق التدخل في اليمن والمياه قبالة سواحلها، وهو ما اعتبره المسؤولون السعوديون بمثابة تحدٍ لاستراتيجيتهم في اليمن.
وتخطط السعودية لبناء خط أنابيب يمتد من المملكة إلى بحر العرب عبر محافظة حضرموت، مع ميناء بحري في عاصمتها الإقليمية المكلا، لكن القوات المدعومة من الإمارات في حضرموت تهدد تلك الخطط.
أيضاً، وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن أشخاص مطلعون قالوا إن إدارة بايدن توسطت في اجتماع السابع من مايو/آيار بين محمد بن سلمان والشقيق الأصغر للرئيس الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، الذي كان يُنظر إليه ذات مرة على أنه أحد المقربين من ولي العهد السعودي. قالت المصادر إن طحنون تم تجميد عمله في الملف اليمني، حيث قام بست رحلات على الأقل إلى المملكة دون أن ينجح في لقاء محمد بن سلمان حتى حصل على مساعدة من الولايات المتحدة للاجتماع به.
خلال الاجتماع، قال محمد بن سلمان لطحنون إن الإمارات العربية المتحدة لا ينبغي أن تعطل محادثات وقف إطلاق النار في اليمن التي يقودها السعوديون ووعد بتقديم تنازلات للإمارات، بحسب المصادر. لكنه أخبر مستشاريه لاحقًا أنه لا ينبغي للسعودية تغيير أي سياسات تجاه الإمارات وأضاف: "لم أعد أثق بهم بعد الآن".
في هذا السياق، حذر خبراء معهد تشاثام هاوس في لندن، من أن القوات اليمنية المتنافسة تستعدُ لاشتباكاتٍ جديدة تهدد محادثات السلام الجارية. وقال المحللون "إن المملكتين الخليجيتين تُظهرانِ المزيدَ من القوة، وتتصرفانِ بشكلٍ أكثر عدوانية تجاه بعضهما البعض في المنطقة بشكل عام. اليمن هو فقط الخط الأمامي الأول لهذه المواجهة والأكثر نشاطًا".
وقال مسؤولون يمنيون إنه إذا انسحب السعوديون من اليمن الآن، فإن الشمال - الذي يُسيطر عليه الحوثيون - سيتحالفُ مع إيران وسيتوافق الجنوب مع الإمارات العربية المتحدة، مما يترك للرياض القليل من حرية الحركة في هذا الملف، وهو أمر يُقلق السعودية بشدة.
مواقفٌ متعارضةٌ تُجاه الرؤى الأمريكية
لا يتفق محمد بن سلمان ولا محمد بن زايد تمامًا مع واشنطن في ملفات مهمة مثل أوكرانيا والصين. لكن المسؤولين الأمريكيين يشعرون بقلقٍ متزايدٍ بشأن تواصل محمد بن زايد مع بكين وموسكو، فيما أقام محمد بن سلمان علاقات أقوى مع غريمي واشنطن.
تولى بايدن منصبه وتعهد بمعاملة المملكة كدولة منبوذة بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، الأمر الذي قال محمد بن سلمان إنه لم يأمر به. وبدلاً من ذلك، زار بايدن السعودية في يوليو/تموز 2022، ما ساعد في إنهاء عزلة الأمير الطامح للعرش.
والآن، تنظر الشركات الأمريكية التي كانت مترددة في التعامل مع المملكة إلى الأمر بشكل مختلف. من المرجح أن يتسارع الاهتمام الأمريكي بالتعاون مع الأمير الشاب مع اقتراب الموعد النهائي في نهاية العام للشركات التي لديها عقود من الحكومة السعودية لإنشاء مكاتب إقليمية لها في الرياض بدلاً من دبي.
أوبك .. مزيدٌ من الخلافات العميقة
ويمتد الخلاف الإماراتي-السعودي إلى ملف النفط، حيث تتزايد الضغوط السعودية لرفع الأسعار العالمية، لتقترب بذلك من التوجهات الروسية وتزداد ابتعاداً عن الخطط الأمريكية، وهو ما ترى أبو ظبي أنه يخلق انقسامات جديدة في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
وظهر الخلاف على السطح في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي عندما قررت منظمة أوبك خفض الإنتاج، في خطوة أذهلت إدارة بايدن. وافقت الإمارات على خفض الإنتاج، لكن مسؤوليها أخبروا مسؤولين أمريكيين ووسائل إعلام بشكل سري أن السعودية أجبرتها على الانضمام إلى القرار.
عكست هذه الديناميكية نزاعًا طويل الأمد بين السعوديين والإماراتيين حول السياسات العامة في أوبك ، وهي الهيئة التي هيمنت عليها الرياض منذ فترة طويلة باعتبارها أكبر مصدر للنفط في العالم.
رفع الإماراتيون طاقتهم الإنتاجية من النفط إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يوميًا ولديهم خطط لتجاوز حاجز الخمسة ملايين برميل، لكن يُسمح لهم بموجب سياسة أوبك بضخ ما لا يزيد عن ثلاثة ملايين برميل يومياً فقط، ما يكلفها خسارة مئات مليارات الدولارات من الإيرادات. كما أن الزيادة الإماراتية في الطاقة الإنتاجية للنفط تمنحها القدرة المحتملة على تحريك الإنتاج صعودًا وهبوطًا، ومعها أسعار النفط العالمية. حتى وقت قريب، كانت السعودية فقط هي التي تمارس هذا النوع من القوة السوقية.
وصل الإحباط الإماراتي إلى النقطة التي أبلغ عندها مسؤولوها المسؤولين الأمريكيين أنهم مستعدون للانسحاب من أوبك، وفقًا لمسؤولين خليجيين وأمريكيين. وقال مسؤولون أمريكيون إنهم اعتبروا ذلك علامة على الغضب الإماراتي وليس تهديدًا حقيقيًا. وفي اجتماع أوبك الأخير في يونيو/حزيران، سُمح للإماراتيين بزيادة متواضعة في خط إنتاجهم الأساسي.
فإلى أين يمكن أن يصل الخلاف السعودي - الإماراتي؟
عماد حسن