الصداقة الألمانية - الفرنسية وتحديات التغيير
"إذا اختلفت ألمانيا مع فرنسا فإن أوربا ستصاب بالجمود حتماً." مقولة شهيرة يرددها السياسيون من حين لآخر عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الألمانية - الفرنسية. أما هذه الأيام فتعد هذه العبارة نذير شؤم بعد أن بات اختلاف وجهات نظر بين الحزب الديمقراطي المسيحي بقيادة أنجيلا ميركل والحكومة الفرنسية برئاسة جاك شيراك واضحاً للعيان. ومن المعروف عن ميركل وحزبها موقف مخالف عن موقف المستشار الحالي غيرهادر شرودر فيما يتعلق بالعلاقات مع الجارة الأوربية فرنسا. فكثيرا ما اتهمت المعارضة الألمانية بزعامة ميركل المستشار الألماني بتعزيز الصداقة الألمانية - الفرنسية على حساب علاقة ألمانيا مع شركائها الأوربيين الآخرين. لذاك تقوم ميركل، المرشحة لمنصب المستشار، من خلال حملتها الانتخابية بالإعلان عن نمط جديد لعلاقة بلدها مع فرنسا في حالة فوز حزبها في انتخابات البرلمان الاتحادي (بندستاغ). ستكون هذه العلاقة "عند حسن ظن وثقة شركاء ألمانيا الأوربيين. فنحن نريد علاقة جديدة يكون أساسها المصالح المشتركة والبعد عن المغالاة" على حد قول أنجيلا ميركل.
نقاط الاختلاف .... نقاط حيوية
لذلك فانه من السهل توقع نشوب الخلافات بين برلين وباريس في حالة وصول ميركل إلى الحكم. الخبير السياسي مارتن كوبمان من جمعية السياسة الخارجية الألمانية يتنبأ بما هو أسوأ إذ يقول: "لن يكون من السهل على أنجيلا ميركل التفاهم مع جاك شيراك وتبني مواقف مشتركة معه". ويرى كوبمان أن هناك نقاطا حيوية عديدة ستؤدي حتماً إلى تناقض آراء الجارتين الأوربيتين. ولعل أبرز هذه النقاط مسألة تعاطي الحزب المسيحي الديمقراطي مع اتفاقية الاستقرار الاقتصادي في أوربا. فبينما يؤكد هذا الحزب في الحملة الانتخابية حرصه الشديد على تطبيق شروط هذه الاتفاقية بصرامة في المستقبل والعمل على منع تعدي المديونية في ألمانيا سقف ثلاثة بالمائة من إجمالي الناتج المحلى، يدعو شيراك إلى تخفيف شروط هذه الاتفاقية. أما ملف العراق فكان وما زال موضع خلاف بين الطرفين. فبالرغم من أن ميركل ترفض اليوم إرسال قوات ألمانية إلى بلاد الرافدين، إلا أنها قامت قبل اندلاع الحرب على نظام الرئيس الرئيس العراقي السابق صدام حسين في عام 2003 بتوجيه النقد اللاذع لموقف كل من شيراك وشردور الرافض لهذه الحرب. ناهيك عن العلاقات الوثيقة التي تربط الحزب المسيحي الديمقراطي بالإدارة الأمريكية وعلاقات باريس بواشنطن التي اعتراها البرود خلال الأعوام المنصرمة.
أعداء الأمس......أصدقاء اليوم
بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها أخذت علاقة الجارتين الأوربيتين، ألمانيا وفرنسا، في التحسن. فبعد مرور خمس سنوات فحسب على انتهاء تلك الحرب راوضت وزير الخارجية الفرنسي السابق روبرت شومان فكرة بناء علاقات وثيقة بين ألمانيا وفرنسا. وكانت هذه الفكرة غير معقولة آنذاك كون أن فرنسا وألمانيا عدوتين تقليديتين قامتا باجتياز حروب طاحنة عبر العصور. وأدى اجتياح ألمانيا الهتلرية فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية إلى تواجد حالة من عدم الثقة المتبادلة، كان التفكير حتى في مجرد تجاوزها ضربا من ضروب المستحيل. ولكن مساعي شومان تكللت بالنجاح. والدليل على ذلك الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول في سبتمبر/أيلول عام 1962 في بون وترديده عبارات: "تحيا بون. تحيا ألمانيا. تحيا الصداقة الألمانية الفرنسية." وبعد مرور بضعة أشهر على ذلك صدق المستشار الاتحادي السابق كونراد أديناور والرئيس ديغول في الـ 22 من شهر يناير/كانون الثاني 1963 على معاهدة الصداقة الفرنسية الألمانية، أو ما يعرف بإتفاقية الإليزية. و اتفق الجانبان على العمل الوثيق في كل المجالات السياسية ـ وبصفة خاصة السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية، والسياسة الاقتصادية والمالية. وقد أخذت اللقاءات الدورية للقمة الألمانية الفرنسية شكل مجلس وزراء ألماني فرنسي.
من صداقة مكتوبة إلى صداقة شخصية
بعد ذلك تحولت العلاقة بين ألمانيا وفرنسا من مجرد علاقة تم إقامتها بواسطة المعاهدات إلى صداقة شخصية بين القادة الألمان والفرنسين. و أثمرت الصداقة الحميمة التي ربطت المستشار الألماني السابق هيلموت شميت بالرئيس الفرنس فالري جسكار ديستان عن بلورة فكرة مشروع العملة الأوروبية المشتركة يورو في نهاية السبعينيات. وأكمل هيلموت كول المشوار مع فرانسوا ميتران. و الجدير بالذكر أن تعاونهما وضع حجر الأساس للاتحاد الأوروبي، وشكلت إزالة آثار الحرب نقطة البداية لهذا الاتحاد. وقد تم ذلك من خلال عدد كبير من المشاريع الثنائية والجماعية. ومن بينها على سبيل المثال مشروع تبادل الشباب بغية تأهيلهم وزيادة معارفهم، ومشروع قوات التدخل السريع الأوروبية. وأصبحت الصورة الخالدة لميتران وكول وهما يمشيان يداً بيد بجوار مقابر الجنود الذين سقطوا في الحرب العالمية رمزاً للصداقة الألمانية -الفرنسية.أما العلاقة الحميمة بين المستشار الألماني غيرهادر شرودر والرئيس الفرنس جاك شيراك فقد نتجت عن تعدد الزيارات وتوحد المواقف في كثير من القضايا العالمية الهامة، ولعل أبرزها تكوين المحور الفرنسي الألماني والذي انضمت إليه روسيا لاحقاً والذي بدا معمودية النار في الساحة الدولية من خلال رفض الحرب على العراق عام 2003.
هل تجد ميركل مكانها في المعادلة؟
وتأتي ميركل بمواقفها المختلفة لتعطي شعوراً أن بعض - إن ما لم يكن كل- ما تم بناءه من خلال المثابرة والعمل الشاق في الأعوام الخمس والخمسين الماضية في الطريق إلى الزوال. ولكن من المكن أيضاً أن يكون تغير الحكومة الألمانية وتولى ميركل السلطة فاتحة خير على العلاقات
الألمانية الأوربية والفرنسية أيضاً. بالرغم من ذلك فلن تكون هناك نقطة بدء جديدة للعلاقات الألمانية الفرنسية قبل عام 2007 على حد تصور مارتين كوبمان. ففي هذا العام سيتم إجراء انتخابات الرئاسة في فرنسا التي يتنبأ البعض بفشل الرئيس شيراك فيها وانتقال زمام الأمور إلى نيقولاس ساركوزي الذي يشغل منصب وزير الداخلية في فرنسا حالياً والذي تجمعه علاقات صداقة مع أنجيلا ميركل، والذي يعارض كثير من مواقف شيراك أيضاً. وخلال تواجدها في باريس ستقوم ميركل بلقاء ساركوزي. ويتوقع المراقبون أن يتفقا على تفاصيل شهر العسل (السياسي طبعاً) الممكن قضائه في المستقبل.
علاء الدين سرحان