جولة لافروف ـ عمّ يبحث الدب الروسي في القارة السمراء؟
٢٧ يوليو ٢٠٢٢
يقوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولة أفريقية هذا الأسبوع تشمل مصر الكونغو أوغندا وإثيوبيا. وتأتي جولة الوزير الروسي عقب توقيع روسيا وأوكرانيا الجمعة اتفاقا مع الأمم المتحدة وتركيا يهدف إلى تخفيف أزمة الغذاء العالمية الناجمة عن منع تصدير شحنات الحبوب والقمح من الموانئ المطلة على البحر الأسود.
الجدير بالذكر أن العديد من الدول الأفريقية تعتمد بشكل كبير على واردات القمح والحبوب سواء من روسيا وأوكرانيا، بيد أن تعطل الإمدادات جراء الحرب أدى إلى تفاقم خطر الجوع في القارة السمراء.
ومن ضمن أهداف زيارة لافروف طمأنة الدول التي تعتمد على الحبوب الأوكرانية بشكل كبير. ففي القاهرة، محطته الأولى، أبلغ لافروف نظيره المصري سامح شكري الأحد بأن روسيا ستلبي طلبات مصر من الحبوب.
وكان رئيس رئيس الاتحاد الأفريقي ماكي سال قد أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو / حزيران الماضي أنه رغم أن أفريقيا بعيدة كل البعد عن مسرح الحرب، إلا أن شعوبها باتت "ضحايا الأزمة الاقتصادية" الناجمة عن الحرب.
وإلى جانب كونها مصدر هام للقمح لأفريقيا، فإن روسيا تمتلك بصمة في مجال الأمن والتعاون العسكري في القارة السمراء. وتهدف الزيارة إلى تعزيز علاقات موسكو مع قارة ترفض الانضمام إلى ركب التنديد والعقوبات الغربية على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا.
وهيمنت على تصريحات لافروف في فكرة تقديم روسيا كصديق جدير بالاحترام لأفريقيا على عكس القوى الغربية "المتعجرفة ذات العقلية الاستعمارية". ووصف لافروف في تصريح له في إثيوبيا الدول الأفريقية التي تحاول تقرير مستقبلها وحل مشاكلها بأنها جزء من نزعة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب والذي اتهم الغرب بالوقوف ضده لصالح الهيمنة الأمريكية.
الدعم العسكري لأفريقيا
وينظر مراقبون إلى جولة لافروف باعتبارها محاولة لحشد دعم الدول الأفريقية التي تتمتع بعلاقات تاريخية قوية مع روسيا للاصطفاف إلى جانب موسكو وسط إدانة الدول الغربية للحرب في أوكرانيا وفرض عقوبات غربية على روسيا.
وقبل الجولة بعدة أشهر، أبرمت روسيا اتفاقيات سياسية وعسكرية مع عدد من البلدان الأفريقية.
ففي مالي، جرى نشر مئات المستشارين العسكريين الروس في مطلع يناير / كانون الثاني فيما أعلن الجيش في مالي أنه طلب من عناصر " مجموعة فاغنر " شبه العسكرية الروسية المثيرة للجدل المساعدة "في تدريب قواتها الأمنية".
وقد أثار هذا الأمر الكثير من الريبة حيث كانت مهمة تدريب قوات الأمن في مالي منوطة بها بعثة التدريب الأوروبية في مالي، لكن البلاد تعرضت لعقوبات إقليمية ودولية عقب عدم وفاء سلطات البلاد بالجدول الزمني لإجراء الانتخابات الرئاسية عقب إطاحة الكولونيل أسيمي غويتا بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في انقلاب قبل عامين.
وبعد الانقلاب الأول في أغسطس /آب 2020 ضد كيتا، التزم المجلس العسكري تحت ضغط دولي بفترة انتقالية تمتد 18 شهرا ويقودها مدنيون، لكن الكولونيل غويتا تراجع عن الالتزام وقام باعتقال الرئيس ورئيس الوزراء المدنيين ثم أدى اليمين الدستوري كرئيس للبلاد في مايو / أيار 2021.
ورد النظام العسكري في مالي على العقوبات بحظر الطائرات العسكرية الألمانية فوق أجواء البلاد وجرى طرد سفير فرنسا ودعوة قوات الدنمارك إلى الانسحاب الفوري من البلاد.
وفي الجوار الجنوبي لمالي، شهدت بوركينا فاسو انقلابا في يناير / كانون الثاني ليحذو الجيش حذو المجلس العسكري في مالي برفض تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، بل والتوجه صوب روسيا.
الربط بين التدريب الأجنبي والانقلابات
ولم تكن مالي أو بوركينا فاسو الدولتين في أفريقيا اللاتي شهدتا انقلابا عسكريا بل انضمت إلى هذا الركب دول أخرى مثل السودان وتشاد وغينيا كوناكري وغينيا بيساو خلال العام الماضي. بيد أن القاسم المشترك بين موجة الانقلابات التي عصفت بهذه البلدان كان أن معظم القادة العسكريين الذين قاموا بتدبيرها قد حصلوا على تدريب عسكري برعاية روسيا.
وفي مقابلة مع DW أواخر العام الماضي، قال جود ديفيرمونت، رئيس برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن، إن "الصفات التي بموجبها تم ترشيح هؤلاء القادة للحصول على تدريب أجبني كانت نفسها التي جعلتهم قادة فعالين لتدبير انقلابات".
ويُعتقد أن الضابطين في الجيش المالي مالك دياو وساديو كامارا هما العقل المدبر للانقلاب في مالي عام 2020 وكلاهما قد أمضى عاما في مدرسة القيادة العسكرية العليا في موسكو فضلا عن أنهما قد شاركا في بعثات عسكرية نظمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وعقب انقلاب مالي، قالت كيلي كاهالان، رئيسة فرع العمليات الإعلامية في أفريكوم لـ DW: " التمرد في مالي مدان بشدة ويتعارض مع التدريب والتعليم العسكري الأمريكي".
إحياء الدور السوفيتي في أفريقيا
من جانبها، ترى الخبيرة الروسية إيرينا فيلاتوفا، أستاذة الأبحاث في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أن روسيا تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا عن طريق إبراز نفسها كوسيط أمني لمواجهة "الإجماع الغربي" وتصدير نفسها في صورة "المدافع عن أفريقيا" في هدف يبدو أن الدول الغربية فشلت في تحقيقه.
بيد أن هذه ليست المرة الأولى التي تنخرط فيها روسيا في شؤون القارة الإفريقية إذ يعود الأمر إلى الحقبة السوفيتية. وخلال خمسينيات القرن الماضي، قدم الاتحاد السوفيتي الدعم لحركات التحرر في أنحاء أفريقيا فيما اقتصرت صادرات الأسلحة الروسية إلى أفريقيا على أسلحة وذخيرة خفيفة ومتوسطة في ذاك الوقت.
وقد حظي الانخراط السوفيتي في أفريقيا في ذاك الوقت بترحيب الكبير، حسبما قال النائب السابق لمحافظ البنك المركزي النيجيري، عوبديا ميلافيا.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "لولا الموقف الحازم الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة وذروة النضال الأفريقي ضد الاستعمار، فإن العديد من بلداننا لن يكون بمقدورها نيل الاستقلال".
بيد أن هذا الدعم الروسي أخذ في التضاؤل مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاول على مدار العقدين الماضيين إحياء الروابط مع أفريقيا التي تعود لحقبة الاستقلال بل وعمد على إحباط ما يُروج له بالسياسات الاستعمارية الغربية في إفريقيا.
وفي هذا السياق، قال ميلافيا إن روسيا الآن "في وضع قوي إلى حد ما حيث يمكن لأفريقيا الاستفادة من الاستثمارات ذات المنفعة المتبادلة والتعاون التجاري".
في المقابل، التزمت روسيا الصمت حيال القضايا والأوضاع السياسية في أفريقيا، لكنها استبدلت ذلك بشركات عسكرية خاصة مثل مجموعة فاغنر التي كانت بمثابة حلقة وصل وفتحت طريق أفريقيا أمام روسيا، وفقا لما أشارت إليه فيلاتوفا.
وأضافت في مقابلة مع DW أنه من الناحية الرسمية لم يتم دمج [هذه المجموعات العسكرية] في الإستراتيجية الروسية في أفريقيا، لكن ما نلاحظه الآن هو أنها تأتي في المقدمة عند حدوث حالات من "عدم الاستقرار إذ تساعد في تأمين الشخصيات التي تولت زمام السلطة وكانت لها علاقات مع روسيا ".
يشار إلى أن عناصر من "مجموعة فاغنر" تنشط أيضا في جمهورية أفريقيا الوسطى حيث طالتها اتهامات بارتكاب انتهاكات خطيرة في مجال حقوق الإنسان.
ويبدو أن الأفلام لعبت دورا في لفت الانتباه تجاه عناصر مجموعة فاغنر شبه العسكرية إذ لعبوا دور البطولة في فيلم محلي، حيث ظهروا كمدافعين عن جمهورية أفريقيا الوسطى ضد المتمردين. ولقى الفيلم إقبالا كبيرا حيث احتشد آلاف الأشخاص داخل استاد رئيسي في العاصمة بانغي لمشاهدة العرض الأول لهذا الفيلم في مايو / أيار العام الماضي. حتى قبل عرض الفيلم، ضلت عناصر فاغنر بعيدة عن الأنظار خاصة على ساحة المعارك في القارة الأفريقية.
تزايد النشاط الروسي
وخلال العقدين الماضيين، استطاعت روسيا لعب دور في إفريقيا بعيدا عن أعين الدول الغربية حيث قامت بإبرام اتفاقيات في مجال الطاقة النووية وتصدير الأسلحة لتصبح روسيا في الوقت الحالي أكبر مصدر للأسلحة إلى القارة الأفريقية.
وقد أشار إلى ذلك التقرير السنوي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) عام 2020 إذ ذكر أن الصادرات العسكرية الروسية لأفريقيا مثلت 18٪ من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة في الفترة ما بين عامي 2016 و 2020.
وكانت أول صفقة أسلحة روسية إلى أفريقيا يُعلن عنها في أبريل / نيسان 2020 عندما أعلنت شركة "روسوبورون إكسبورت"، وهي الشركة الروسية الوحيدة التابعة للدولة في مجال تصدير الأسلحة، عن بيع زوارق هجومية روسية الصنع إلى دولة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء لم يُفصح عن اسمها.
وقبل الإعلان عن هذه الصفقة بشهور وتحديدا في عام 2019 عُقد أول منتدى اقتصادي بين روسيا وأفريقيا في منتجع سوتشي الروسي بحضور قادة وزعماء وشخصيات أفارقة رفيعة المستوى.
استغلت روسيا هذا الحدث لتسليط الضوء على علاقاتها مع أفريقيا حيث استطاعت في ذلك الوقت أن تُظهر نفسها كحليف للعديد من الدول الأفريقية التي كانت تحارب حركات تمرد خاصة في مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا حيث ناشدت هذه الدول موسكو عام 2018 مساعدتها في قتال تنظيمي "داعش" والقاعدة.
ولم تتوقف مساعي روسيا في تعزيز تواجدها في أفريقيا على الجانب العسكري بل سعت إلى بيع التكنولوجيا النووية لعدد من البلدان الأفريقية مثل زامبيا ورواندا وإثيوبيا ومصر ونيجيريا حيث تبنى موسكو محطات للطاقة النووية.
ورغم الغموض الذي يكتنف علاقات موسكو مع أفريقيا، إلا أن ما بات جليا هو عودة الدب الروسي إلى القارة السمراء.
أبو بكر جلوح/ميخائيل بوشويف/ بينيتا فان إيسن / م ع