حماية المرأة اللبنانية من العنف الأسري ورفض المؤسسة الدينية
٢٣ يونيو ٢٠١١"أنا رجل شرقي، لكن لن أضرب زوجتي"، رفعت منى هذا الشعار في إحدى حملات التوعية التي شاركت فيها ضد العنف الأسري الذي يمارس ضد النساء في لبنان. وتسعى منى إلى أن يتبنى كل رجل شرقي هذا المبدأ لأنها عانت من العنف عندما كانت طفلة إذ كان والدها يضربها لأتفه الأسباب. وهربت منى، وهي في عمر السابعة عشرة، إلى بيت الزوجية ظنا منها أنها ستعامل كإنسانة لها حقوقها، لكن خاب أملها، تقول منى "هربت من سجن تعذيب إلى سجن تعذيب آخر". وتضيف لدويتشه فيله "زوجي يمارس عليّ كل أنواع العنف اللفظي والجسدي". حاولت الاتصال بالشرطة عدة مرات لطلب الحماية فكان الجواب "لا يمكننا التدخل بلا وجود جناية".
ولا تزال منى أسيرة العنف إلى أجل غير محدد، وهي تشير إلى خوفها من كسر المحرمات في المجتمع بالقول "أخاف من مواجهة زوجي وطلب الطلاق. فكيف أعيش في المجتمع الذي سيوصمني بالعار إن تركت منزلي؟". لكن منى ومثيلاتها لم يفقدن الأمل فثمة مشروع قانون لحمايتهن قيد الدرس، إنه "قانون حماية النساء من العنف الأسري". ومازال المشروع قيد الدرس على الرغم من أن الإعداد لمسودته بدأ في عام 2007 من خلال جمعية "كفى عنفا واستغلالا". وقد أطلقت الجمعية لدعمه حملة يقودها "التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري"، الذي يضمّ أكثر من 50 جمعية أهلية لبنانية. وفي العام 2010 أقر مجلس الوزراء الصيغة النهائية للقانون ليحال بعدها إلى مجلس النواب من أجل تشريعه.
"لبنان بلد الحريات لكن العلة في الطائفية"
ويقول المؤيدون للقانون أي "التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري" إن العنف جرم ممنوع وأن القانون يهدف إلى المحافظة على صحة الأسرة وليس تدميرها، وأن الصمت إزاء العنف يعتبر استسلاماً لتقاليد اجتماعية بالية. أما المحتجون على إقرار القانون فيعتبرونه قائما على الفردية وتهميشا لدور الدين وتعدّيا على اختصاص المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية، ومقدمة للانقضاض على قيم الأسرة.
وترى رئيسة منظمة "كفى" زويا روحانا، في حوار مع دويتشه فيله، أن المرأة اللبنانية تعنّف وتضرب من دون أي محاسبة أو قانون يحميها، وتضيف قائلة "نحن في غابة والقوي يأكل الضعيف". وتوافقها الرأي رئيسة التجمع النسائي الديمقراطي جومانا مرعي، التي ترى أنه على الرغم من أن لبنان يعتبر بلد الحريات، فإن اللحمة السياسية والاجتماعية والقانونية فيه قائمة على الطائفية وهي لا تساوي بين الرجل والمرأة. ومن هنا ترى الناشطتان أن هناك ضرورة لإقرار مشروع قانون "حماية المرأة من العنف الأسري" الذي يعتبر حقاً إنسانياً بديهياً لحماية النساء من العنف الأسري.
استبداد طائفي وقوانين تمييزية ضد النساء
ويرى مؤيدو مشروع القانون أن القوانين اللبنانية ما زالت تتضمن نصوصاً تمييزية ضد النساء تشجع على ممارسة العنف مثل قوانين جرائم الشرف على الرغم من إبرام اتفاقية القضاء على جميع إشكال التمييز ضد النساء من قبل الدولة اللبنانية في العام 1997. فالدولة برأيهم تداري الثقافة الاجتماعية الذكورية وتضع عدالة المرأة على كف الرجل خاصة أن كل امرأة خاضعة لقانون طائفتها، معتبرين أن لبنان ما زال محكوماً بقوانين الأحوال الشخصية على مستوى العائلة والحلقة الأضعف هي النساء والأطفال.
وتصف جومانا مرعي، رئيسة التجمع النسائي الديمقراطي، هذا الوضع "بالاستبداد الطائفي السياسي الذي سيترجم نفسه حكماً داخل العائلة ليصبح العنف حقا من حقوق الرجل البديهية". وتطالب بتطوير قوانين الأحوال الشخصية على أساس المساواة بين الرجل والمرأة. أما زويا روحانا، رئيسة جمعية "كفى" فتسأل "إلى متى ستبقى المرأة اللبنانية تدفع من حقوقها ثمنا للتوازنات الطائفية التي يقوم عليها النظام السياسي في البلاد"؟
هل يرضخ النواب لضغوط المؤسسة الدينية؟
لكن كما ترى الجمعيات النسائية في القانون نصف الكوب الملآن، يرى المعارضون للقانون النصف الفارغ منه. إذ يقول وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي "مشروع القانون فضفاض وأنا لست ضده أو معه بالمطلق" مبررا موقفه ذلك بأن "أي أمر لا يخالف الشرع أؤيده وأي أمر يخالفه أرفضه" في إشارة إلى بعض بنود القانون التي برأيه تعارض الشريعة الإسلامية، مطالبا بإجراء مناقشة أكثر عمقا لمشروع القانون.
ورداً على من يرى في القانون تعارضاً مع قوانين الأحوال الشخصية، تقول روحانا إن مجلس الوزراء أضاف المادة 26 إليه، والتي تنص على أنه إذا تعارضت أحكام القانون مع الأحوال الشخصية تطبق أحكام الأحوال الشخصية. وترى روحانا في هذه المادة "نسفا للقانون الذي نعمل من أجله". أما جومانا مرعي فتعبر عن مخاوفها من عدم إصدار القانون بكلمتين: "لست متفائلة". لكن هذا لا يعني نهاية المطاف لهذه الناشطة التي تؤكد جازمة "ليس لدي خيار سوى المواجهة من أجل فسحة أمل للمرأة اللبنانية". وتختم روحانا بالقول "إذا نجحت الضغوط الدينية في عرقلة مسار مشروع القانون داخل مجلس النواب، فسيكون عقد ونصف عقد من النضال المدني المتصل بهذه القضية مهدداً".
دارين العمري ـ بيروت
مراجعة: أحمد حسو