مقتل العاروري.. هل يدفع حزب الله إلى خوض الحرب ضد إسرائيل؟
٥ يناير ٢٠٢٤على وقع الأحداث الأخيرة في الجنوب اللبناني، بات هاجس الخوف يسيطر على الكثير من اللبنانيين خاصة عقب مقتل القيادي بحركة حماس صالح العاروريفي قصف استهدف مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله.
ففي مقابلة مع DW، قال أحد سكان بيروت -ويعمل محاسبًا- إن شعوره بالأمان بات نسبيًا، مضيفًا: "حتى قبل (مقتل العاروري)، كان تحليق طائرات الاستطلاع الإسرائيلية دائمًا في سماء المنطقة، لكن هذا الهجوم كان مؤلمًا لأنه جرى في منطقة سكنية."
ولم تؤكد إسرائيل بشكل مباشر مسؤوليتها عن الهجوم، لكنها قالت إنها ستسعى إلى "القضاء" على قادة حماس أينما كانوا، في إطار الحرب ضد الحركة في قطاع غزة وردًا على هجومها الإرهابي على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وإزاء ذلك، قالت سيدة لبنانية في العقد الثالث من عمرها وتعيش في بيروت: "نشعر الآن بقدر أقل من الأمان. لا نعلم ما إذا كنا سنتعرض للقصف قريبًا"، مضيفة "لا أحد يريدالحرب. أود من [حزب الله] أن يكون أكثر حذرًا."
في المقابل، تعتقد سيدة أخرى تعمل في أحد متاجر التجزئة في بيروت أن حزب اللهيعد "رادعًا" يمنع الجيش الإسرائيلي من دخول لبنان، مضيفة أن "(الحزب) هو الكيان الوحيد القادر على حمايتنا".
وتحدث الجميع شريطة عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية التطرق إلى الوضع الراهن في بيروت، لكنهم ورغم الخوف يؤكدون رفضهم اندلاع حرب إقليمية.
رد فعل حزب الله على مقتل العاروري
وعلى وقع تزايد المخاوف، ترقب كثيرون خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر اللهالأربعاء (3 كانون الثاني/يناير 2024) بعد يوم من مقتل صالح العاروري. وأكّد نصر الله في ذلك الخطاب أن مقتل القيادي في حماس يعد "جريمة خطيرة ولن تبقى دون ردّ أو عقاب"، لكن لم تصدر عنه تهديدات ملموسة تحمل في طياتها تهديدات بالتصعيد.
وفي خطابه الثاني الجمعة (الخامس من كانون الثاني/يناير 2024) قال نصرالله إن لبنان كله سينكشف إذا لم يتم الرد على مقتل العاروري. وجدّد الأمين العام لحزب الله التأكيد على أن الرد على اغتيال العاروري "آت لا محالة"، وأن مقاتلي الحزب "على الحدود" هم الذين سيردون. واعتبر نصرالله قتل نائب رئيس المكتب السياسي لحماس "خرقًا كبيرًا وخطيرًا"، مضيفًا: "قطعًا هذا لن يكون بلا ردّ وبلا عقاب".
وفي تعليقهم على ذلك، قال بعض المراقبين للوضع اللبناني إن خطابَي نصرالله اتسما بعدائية أكثر مقارنة بخطاباته السابقة، لكنهم استبعدوا أن يعلن حزب الله - وهو مكون ذا ثقل في الداخل اللبناني - حربًا شاملة ضد إسرائيل.
وكان وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بوحبيب، قد قال في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية: "نأمل ألا يلزم (الحزب) نفسه بحرب أكبر... لدينا الكثير من الأسباب للاعتقاد بأن هذا لن يحدث. لا أحد في لبنان يريد (الحرب) بما في ذلك حزب الله".
وأعادت الأوضاع المتوترة في الوقت الراهن إلى الأذهان حرب عام 2006 بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله والتي دارت رحاها لأكثر من 34 يومًا عقب خطف حزب الله عددًا من الجنود الإسرائيليين.
وأدت الحرب إلى مقتل أكثر من ألف شخص، فضلًا عن تشريد الملايين وتدمير غالبية الجنوب اللبناني حتى انتهت بصدور القرار 1701 الذي ينص على انتشار الجيش اللبناني وقوة اليونيفيل فقط بين الحدود مع إسرائيل ونهر الليطاني، على بعد حوالي 40 كلم إلى شمال هذه الحدود.
وفي تعليقه، قال جيفري فيلتمان، المحلل والزميل الزائر في معهد بروكنغز، إنه منذ عام 2006، "قام حزب الله بتوسيع ترسانته بشكل كبير وتطورت أسلحته بما يصل إلى 150 ألف صاروخ... بهدف ردع إسرائيل عن شن هجوم واسع النطاق على إيران أو الرد على أي هجوم إسرائيلي واسع النطاق على إيران".
خرق قواعد الاشتباك
ومنذ عام 2006، تبادل حزب الله والجيش الإسرائيلي إطلاق الصواريخ بين الفينة والأخرى في حدث متكرر يراه خبراء بأنه يحمل في طياته قبولًا ضمنيًا من الجانبين لقواعد اشتباك غير رسمية تعتمد على معادلة الردع.
الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد هدد صراحة بقتل العاروري حتى قبل أشهر من هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيما كان حسن نصر الله اعتبر هذا النوع من الاغتيالات يشكل خطًا أحمر بالنسبة للحزب بغض النظر عن الشخصيات المستهدفة.
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وتعتبر دول عديدة، من بينها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول أعضاء في جامعة الدول العربية، حزب الله، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. كما حظرت ألمانيا نشاطه على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".
ويرى البعض أن هذا التصنيف مثير للجدل بسبب دور الجناح السياسي لحزب الله في الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ عام 1992.
ويرى مراقبون أنه، وفي ضوء أن مقتل العاروري وقع في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، فإن الأمر يمثل تجاوزًا للخط الأحمر الذي رسمه الأمين العام لحزب الله قبل عدة أشهر بما يمثل تحولًا واضحًا عن قواعد الاشتباك.
وفي ذلك، قالت أمل سعد، المحاضرة في السياسة بجامعة كارديف والخبيرة في شؤون حزب الله، إن الأحداث الأخيرة "قلبت معادلة الردع"، مضيفة أنه من أجل العودة إلى هذه القواعد سوف "يتعين على حزب الله الرد."
وشددت: "يجب أن يكون الأمر سريعًا، لا يمكنهم السماح بإضاعة الكثير من الوقت لأن إسرائيل قد أعلنت بالفعل عن نيتها شن سلسلة من الاغتيالات تستهدف [قادة حماس]".
وعلى الرغم من أن إسرائيل ألمحت إلى أن هذه الاغتيالات يمكن أن تحدث في قطر وتركيا، إلا أن هذا السيناريو غير مرجح لأن الدوحة تلعب دور الوساطة في مفاوضات الرهائن، كما لا ترغب إسرائيل في توسيع نطاق توتر علاقاتها مع تركيا، لذا يرى خبراء أن لبنان ربما يكون المسرح المرجح.
وأوضحت أمل سعد أن "حزب الله يعلم جيدًا أنه إذا لم يرد على ذلك، فإن إسرائيل لن تضرب أهدافًا فلسطينية أخرى في لبنان فحسب، بل سوف تنظر إلى حزب الله على أنه بات ضعيفًًا"، وتتابع: "لذلك يتعين على (حزب الله) أن يدرس بعناية شديدة شن هجوم لا يتسبب في إحراج إسرائيل ويدفعها إلى الرد بطريقة أكثر تصعيدًا. يجب أن يرسل رد (حزب الله) رسالة مفادها بأنه لا يمكن لإسرائيل الاستمرار في هذا الأمر ولا يمكنها استخدام بيروت كمسرح لعمليات عسكرية".
وحسب أنتوني السمراني، رئيس تحرير صحيفة "لوريان لو جور" اللبنانية، فإن "حزب الله لم يجد نفسه منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 في موقف حساس إلى هذا الحد"، مضيفًا في مقال افتتاحي "إذا لم يفعل حزب الله شيئًا، فإن ذلك سوف يمهد الطريق أمام شن المزيد من الهجمات من هذا النوع في معقله، لكن إذا اتسم رد (الحزب) بالقوة الكبيرة، فإن هذا سوف يمهد الطريق أمام حرب شاملة".
ماذا يُتوقع؟
ويرى مراقبون أن حزب الله لا يرغب -على ما يبدو- في توسيع عملياته العسكرية أو الرد بحزم على أي استفزاز. وهدد الأمين العام لحزب الله في خطاب الجمعة بأن سكان شمال إسرائيل بمن فيهم المستوطنون سيكونون أول من يدفع ثمن الحرب. وزعم أن حزب الله نفذ 670 عملية عسكرية على الحدود مع إسرائيل منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
لكن أمل سعد قالت إنه "من الصعب التكهن بنوايا إسرائيل لأنه تديرها حكومة يمينية أكثر تطرفًا على الإطلاق وسط انقسام الرأي السياسي الإسرائيلي".
ويقول خبراء إن عملية مقتل العاروري أثارت أسئلة غير مجابة، إذ طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل اتباع نهج أكثر استهدافًا ودقة مع تجنب قتل المدنيين.
ورغم أن حصيلة القتلى في غزة تجاوزت 22 ألفًا، إلا أن إسرائيل لم تتمكن من قتل قادة بارزين في حماس في القطاع. تزامن هذا مع بعض الشكوك في إسرائيل حيال حصيلة قتلاها، فيما يرى مراقبون أن إسرائيل ربما تشن عمليات قابلة للتحقيق بسهولة أكبر مثل مقتل العاروري.
وفي خطابه، أشار نصر الله إلى أن مقتل العاروري سوف يسمح للحكومة الإسرائيلية "بادعاء تحقيقها انتصارًا من نوع ما."
مرحلة جديدة من التصعيد؟
بدروها، رأت أمل سعد أن هذه المعطيات تنذر بمرحلة جديدة من الصراع، لكنها أقل حدة. وجاء مقتل العاروري عقب مقتل الضابط البارز في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي في ضربة إسرائيلية قرب دمشق في 25 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وبعد حدوث اشتباك مباشر بين الجيش الأمريكي والحوثيين في اليمن في عرض البحر الأحمر ومقتل قيادي عسكري في حركة "النجباء"، وهي أحد أبرز فصائل الحشد والمناهضة للوجود الأمريكي في العراق.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد أكدت تنفيذ غارة جوية في العراق أدت إلى مقتل مشتاق طالب السعيدي، القيادي في حركة "النجباء"، الذي قالت إنه "كان ضالعًا في التخطيط والتنفيذ لهجمات ضد القوات الأمريكية."
ولم يرد متحدث إسرائيلي على طلب التعليق حيال دور بلاده في مقتل السعيدي، وفقًا لتقارير إعلامية.
أعده للعربية: محمد فرحان