الحياة في دولة المخابرات وفي بيت دعائمه الكذب
١٦ مارس ٢٠١٢"درع وسيف الحزب"، هو الاسم الذي كانت يطلق على جهاز المخابرات في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، أو ما يعرف بألمانيا الشرقية. تم تأسيس الجهاز في عام 1950 على غرار جهاز شرطة المخابرات في الاتحاد السوفيتي السابق. واستخدم الجهاز من البداية كأداة لقمع أعداء الدولة وحزب ألمانيا الاشتراكي الموحد „SED” ، حسب الادعاءات آنذاك.
كان العاملون الأساسيون في جهاز المخابرات يعيشون في مجتمع داخل المجتمع. كانوا يعيشون في أحياء خاصة وكانوا يتمتعون بامتيازات خاصة مثل مرتبات عالية الأجر، وكان لديهم محلات خاصة وأطباء وعيادات وبيوت لقضاء العطلات. وكانوا يحظون بالأولوية في الحصول على سيارة، في الوقت الذي قد ينتظر فيه بقية المواطنين لسنوات طوال.
كان العاملون في جهاز أمن الدولة يراقبون ويرصدون حياة بقية المواطنين ويتعرضون لهم بالمضايقات، لكنهم كانوا يخضعون أنفسهم لمراقبة مستمرة. الصحفية روت هوفمان قابلت العديد من هؤلاء وتعرفت من خلال هذه الأحاديث على معاناة أطفال العاملين من هذه الحياة وكيف أثرت عليهم حتى الآن.
DW عربية: كان يتعين على العاملين الأساسين في جهاز أمن الدولة إظهار الولاء التام. كيف أنعكس هذا على أسر العاملين ولا سيما على أطفالهم؟
روت هوفمان: كان يتعين على الأطفال تأييد مبدأ الولاء بدون أي تحفظات، لأن وقوعهم في خطأ ما قد تكون له عواقبه على الوالدين. كان يتعين عليهم التصرف حسب مبادئ الوالدين والنظام. سأسوق مثالاً واضحاً: كان الأطفال يقولون "والدي يعمل في وزارة الداخلية". إنها كذبة واضحة، لكن الأغلبية منهم لم تكن تعرف أنها أكذوبة. فعمل الأب كان من المحرمات ولم يكون محل حديث. أي أن أسلوب المخابرات والكذب كان يمارس في المنزل وخارجه.
ما هي انعكاسات هذا الأمر على المدرسة؟ المعلمون كانوا يدركون ربما حقيقة هذه الأسطورة؟
أعتقد أنهم كانوا يفهمون هذه الشفرة أي أن وزارة الداخلية= جهاز أمن الدولة. في النهاية، لم يكن هناك شيء يعيب العمل مع جهاز أمن الدولة. كانت تلك المؤسسة مهمة جداً للدولة وحتى المعلمين كانوا جزءا من هذه الدولة.
عاش الآباء في نظام الأمر والطاعة. . هل زرعوا هذه القيم في أطفالهم؟
في معظم الحالات. قال أغلبية المشاركين في الاستجواب، أنه كانت هناك قواعد لكل شيء، كان يتعين عليهم بالطبع الوفاء بالالتزامات الاجتماعية، التفوق والانضمام إلى منظمة الشباب الألمان الأحرار "FDJ"، وكان يُحبذ انضمامهم إلى الحزب لاحقاً. بالنسبة للموظفين، فقد كانوا حريصين على التزام الأسرة بهذه القواعد، فلم يكونوا يفصلون بين العمل والحياة الخاصة. كان رؤساءهم في العمل يعرفون كل شيء عنهم. فقد كان اختيارالموظفين يتم بدقة شديدة.
كما كان متوقعا، كان يجرى قبل التعيين التحقق من البيئة التي يعيشون فيها ومن شريك الحياة ومن الأصدقاء وسلوك وقت الفراغ. وبعد التعيين كان يتم مراقبة ورصد الموظفين طوال الوقت وكذلك أسرهم. كانوا يتحققون على سبيل المثال، فيما إذا كانت الزوجة قد قطعت علاقتها بالفعل بخالتها التي تعيش في ألمانيا الغربية.
اشتكى بعض الأشخاص في كتابك من أن مبدأ "روح العمل الجماعي" كان يحظى بأولوية على العائلة، في بعض الحالات أفشى الآباء بأبنائهم!
لقد وجدت العديد من الحالات والوثائق، التي تظهر أنه تم استدعاء الآباء من قبل رؤسائهم من أجل تبرير موقفهم تجاه أطفالهم، بعد اكتشاف مشاركة الأبناء في مجموعة مثل البنك (Punk) أو في حركة السلام على سبيل المثال. وذهب البعض في ولاءه إلى درجة أنهم خانوا أطفالهم وفشوا بهم.
ذكرت في الكتاب حالتين نبذ فيها الآباء أطفالهم تماماً. في حالة ستيفان هبريش (Stefan Herbrich) "اسم مستعار" على سبيل المثال. ستيفان هيبريش أصدر جريدة حائطية، تحتوي بعض النقد ولكنها لم تكن ذات طابع معارض صريح، ولم يكن هذا الأمر في غاية السوء، لكن تم إيداع الرجل في السجن وأعلن والده للجهات الرفيعة: "هذا لم يعد ابني، ليس لدي أي اتصال معه. وتظهر السجلات، أن وزارة أمن الدولة أصرت على تنفيذ هذا الوعد وتحققت دائماً من ذلك.
عندما قرأت الكتاب طرأ على بالي هذا السؤال، هل كان جهاز أمن الدولة معقلاً للشخصيات المشوهة روحياً ونفسياً أم أنهم تحولوا من خلال عملهم إلى هذا. أو بمعنى آخر، هل كانت هناك معايير معينة لتقييم شخصية المتقدمين للإلتحاق بالعمل؟
لا أستطيع الجزم بحكم ما. ولكنني طرحت على نفسي نفس السؤال بالطبع: هل تؤثر الوظيفة على شخصية الآباء والأمهات أم العكس؟ لقد تحدثت مع البروفسور هارالد فرايبيرغر (Harald Freyberger) من جامعة غرايفسفالد (Greifswald)، والذي تعامل مع هذه القضية باعتباره طبيباً نفسياً. كان يعالج أبناء الموظفين وحتى الموظفين السابقين أنفسهم، وهو يؤيد هذا الرأي، يجب أن يكون لدى الشخص بنية شخصية معينة من أجل القيام بهذه المهمة وأن يكون لديه الاستعداد اللازم.
كان معظم الأبناء يصابون بخيبة أمل كبيرة، لأن حقيقة آباءهم لم تتطابق مع الصورة التي رسموها لهم وأقول هنا الآباء، لأن معظم الموظفين كانوا عادة من الرجال. هل أستطاع الأبناء على الأقل التحدث مع آباءهم عن هذا الأمر بعد الوحدة الألمانية؟
هذا صحيح، كان ما يقرب من 84 في المائة من العاملين من الرجال والعدد الضئيل من النساء اللاتي كن يعملن هناك، كن في الأساس عاملات نظافة وسكرتيرات، كان دورهم محدود نسبيا.
لا، حتى بعد سقوط سور برلين لم يتحدث الأطفال مع آبائهم.، الذين رفضوا فتح باب الحوار تماماً. أعتقد أن مواصلة الصمت جرحهم ولا سيما بعدما لم يصبح هناك أي حاجة لذلك، فبعد سقوط الجدار لم يكن هناك أي سبب للحفاظ على سرية أي شيء. وفقاً للبحث الذي أجريته، فإن الأطفال، الذين تقدموا في العمر بالطبع، لم يكونوا يريدون محاكمة آبائهم، كانوا يريدون ببساطة أن يجدوا إجابة على أسئلتهم. كانوا يريدون معلومات ببساطة!
هل كان هذا هو السبب في إصدار مثل هذا كتاب بعد أكثر من مرور 20 عاما على سقوط الجدار؟ هل كان هؤلاء "الأطفال" يحتاجون أنفسهم للوقت لفهم ما حدثآنذاك؟
نعم، أعتقد أن هذه الأمور تستغرق وقتا. كان من الصعب حقا تأليف هذا الكتاب. كان من الصعب العثور على مشاركين في الاستجواب، لأنه يدور حول أمور شخصية جدا. ومهما كان رأي الأبناء في والديهم، فإنهم يبقون والديهم رغم كل شيء!
**أصدرت الصحفية روت هوفمان هذا العام كتاباً بعنوان أطفال جهاز أمن الدولة، الحياة في ظل دولة المخابرات(Stasi-Kinder Aufwachsen im Überwachungsstaat).
أجر ت المقابلة: غابرييلا شاف
ترجمة: مي المهدي
مراجعة: هبة الله إسماعيل