الغموض يحيط بمستقبل المفاوضات الإيرانية الأوروبية
جاء فوز المرشح المحافظ محمود أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الإيرانية ليخلط أوراق المحللين والمراقبين للساحة السياسية الإيرانية وسط ردود فعل دولية تتأرجح بين الإدانة الأمريكية والترقب الأوربي وترحيب بعض الدول العربية. وقد دعا الإتحاد الأوروبي من جانبه إلى مواصلة التعاون مع الجهود الأوروبية الساعية لطمأنة المجتمع الدولي فيما يخص الملف النووي. وصرح المستشار الألماني غيرارد شرودر، الذي يقوم بزيارة رسمية لواشنطن، في لقاء صحفي أنه على الإتحاد الأوربي أن يتقدم بمقترحات جديدة لحسم النزاع حول البرنامج النووي الإيراني.ودعا في نفس الوقت طرح عرض أوربي جديد على طاولة المفاوضات لتحفيز إيران على التخلي عن جزء من برنامجها النووي الذي يمكن ان يستخدم في تطوير الأسلحة. وجاءت تصريحات شرودر عقب تأكيد نجاد، في أول مؤتمر صحفي له عقب فوزه برئاسة الجمهورية الإسلامية، تمسكه بالبرنامج النووي لإيران الذي يهدف الاستخدام السلمي للتكنولوجيات النووية لتغطية الاحتياجات المتزايدة للطاقة الكهربائية. وأعرب نجاد في نفس السياق عن استعداد بلاده لمواصلة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي مع مراعاة ما وصفه "المصالح القومية للجمهورية الإسلامية".
المواقف الأوربية
ففي حين تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إحالة الملف الإيراني لمجلس الأمن الدولي عبر شرودر خلال مؤتمر صحفي عن مخاوفه اتجاه أي عقوبات دولية محتملة على إيران. وأقر شرودر بضرورة أن يتقدم الاتحاد الأوروبي بمقترحات جديدة لطهران بشأن ملفها النووي والعودة لطاولة المفاوضات بدل إحالة الملف الإيراني لمجلس الأمن الدولي. وأعرب كذلك عن مخاوفه حيال فرض عقوبات اقتصادية على إيران من شأنها أن تصب ضد المصالح الأوربية والدولية نظرا لما قد يترتب عن هذا الحضر من ارتفاع حاد في أسعار النفط، علما أن إيران هي رابع اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. واعتبر المستشار الألماني أنه لا يمكن منع إيران من الاستخدام المدني للطاقة النووية، لكن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى الحصول على ضمانات ذات مصداقية تؤكد أن طهران لن تصنع قنابل ذرية
التشبث بالبرنامج النووي
ومن جانبه أكد الرئيس الإيراني المنتخب يوم الأحد، خلال أول مؤتمر صحفي يعقده منذ فوزه بالانتخابات التي أجريت يوم الجمعة، أنه سينتهج سياسة اعتدال. وقال إنه لن يكون هناك مكان للتطرف بحكومته التي وصفها بأنها ستكون حكومة عدالة ونزاهة لخدمة الشعب والمصالح الوطنية. ووعد رئيس بلدية طهران السابق أن الإعتدال والتسامح ستشكلان الركيزتين الأساسيتين لحكومته المقبلة. وجاءت هذه التصريحات وسط مخاوف غربية تخشى سياسة أكثر تشددا حيال البرنامج النووي الإيراني وكبح الحريات في الداخل. وجدد احمدي نجاد التأكيد على نية طهران مواصلة المحادثات مع أوربا حيث قال: "سنواصل المحادثات مع الحفاظ على المصالح الوطنية والتشديد على حق الشعب الإيراني في استخدام التكنولوجيا النووية السلمية" وأضاف: "نحن بحاجة للحصول على الطاقة وللأغراض الطبية وسنواصل العمل بها". ويبقى معظم الإيرانيون في حالة ترقب انتظارا لتحقيق الوعود التي أطلقها نجاد خلال حملته الانتخابية في حين يحاول الرئيس الجديد كسب تأييد من يخشون الانقلاب على الإصلاحات التي جرت في السنوات الماضية والعودة لسياسة التشدد داخليا وخارجيا.
ثورة الفقراء
يصف المحللون السياسيون فوز رئيس بلدية طهران السابق بالانتخابات الرئاسية أنها سابقة من نوعها، فهو أول رئيس إيراني خارج زمرة علماء الدين منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979. ويصف بعض الأخصائيون فوز أحمدي، الذي جاء مخالفا تماما لاستطلاعات الرأي، أنه ناجم عن تمرد وانتفاضة في الشارع الإيراني ضد الميوع السياسي وإهمال الوضع الداخلي، ويعود إلى ابتعاد طبقة النخبة عن صفوف الشعب خاصة منهم الضعفاء والمحرمون.ويُعزي المراقبون نجاح أحمدي نجاد إلى حصده أصوات فقراء إيران المتديين من خلال إدانته لزمرة الأغنياء وتعهده بتوزيع ثروة النفط. وهكذا سيبقى من المرجح أن يقوم أحمدي بإعادة صياغة الجمهورية الإسلامية التي بدت بحاجة إلى التجديد في إشارة إلى الفائز الحقيقي في الانتخابات الإيرانية ،الإمام علي خمينائي الذي يعود ليمسك جميع الأوراق بيده بعدما ظلت الرئاسة والبرلمان خارجان عن مظلة المرشد. ويبقى السؤال المطروح، هل سيصبح الرئيس الإيراني الجديد حاجبا لمرشد الجمهورية الذي سيتحكم في الشأن الداخلي والخارجي للبلاد أم أنه سينجح في النهوض باقتصاد البلاد والتوصل إلى حل سلمي للملف النووي وتكريس الحريات الفردية والصحافية وإخراج إيران من عزلتها الدولية؟
أنكاي طارق