جلال طالباني رجل التوافقات وحارس الدستور
٢١ ديسمبر ٢٠١٢الرئيس العراقي طالباني يمر بأزمة صحية، وأغلب العراقيين يتمنون السلامة للزعيم الذي يحبونه.
جلال طالباني رئيس منتخب، وصل إلى السلطة في دورته الأولى عام 2005، وأعيد انتخابه لمنصب رئيس الجمهورية عام 2010 لدورة ثانية. و بموجب ما يمكن اعتباره عرفا سياسيا متفقا عليه، يكون منصب رئاسة الجمهورية في هذا البلد من حصة الأكراد. هذا المنصب بموجب دستور العراق الدائم الذي صوت عليه العراقيون عام 2005 أصبح منصبا شرفيا يتمتع بقليل من الصلاحيات.
" جلال طالباني رجل التوافقات"
الملفت للنظر في وضع طالباني أن العراقيين متفقون عليه كرئيس لهم رغم تعقيدات المشهد السياسي ، وفي حوار مع DW عربية أشار الكاتب والمحلل السياسي نزار حيدر، مدير المكتب الإعلامي العراقي في واشنطن إلى أن العراقيين متفقون على طالباني بصفته رئيسا للعراق منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 وعزا ذلك إلى " أن طالباني من أقدم السياسيين وأكثرهم خبرة وتجربة في العمل السياسي، وهو الوحيد الذي واصل العمل السياسي طيلة 50 عاما دون انقطاع"، وقد اكتسب من هذه السنوات حنكة وخبرة سياسية لم يحصل عليها أي سياسي آخر.
وتحدث الكاتب نزار حيدر عن تفاصيل لقاءات شخصية متعددة جمعته بالرئيس طالباني مشيرا إلى أنه قد التقاه في عام 1987 في طهران بعد أن غادر كردستان العراق ، ومبينا أن لقاءاته بطالباني قد تكررت منذ ذلك التاريخ في طهران ودمشق وكردستان العراق والولايات المتحدة وفي بغداد . وبيّن نزار حيدر أنه" قد اكتشف من خلال اللقاءات المتعددة أن طالباني رجل التوافقات الذي استطاع أن يجمع المعارضة العراقية التي كانت في تلك الفترة متقاطعة لا تلتقي أجنحتها ببعضها البعض، وقد وفّق بين الأجنحة المتعارضة، فتشكلت جبهة (جود ) وجبهة (جوقد) وغيرها من الجبهات".
كيف رفض طالباني توقيع حكم الإعدام بحق صدام؟
قضى طالباني سنوات طوال مقاتلا في جبال كردستان وقضى سنوات في مناف مختلفة، وحكم عليه بالإعدام غيابيا ، كما أصدر صدام حسين عفوا عن المشاركين في انتفاضة 1991، ولكنه استثنى طالباني من هذا العفو.
بعد سنوات تولى طالباني رئاسة الجمهورية في العراق وكان من ضمن صلاحياته التوقيع على قرارات الإعدام الصادرة بحق المجرمين ، لكنه رفض التوقيع على حكم إعدام صدام حسين، ولم يعامله بالمثل، وتسلّح بحقيقة أنّه من الموقعين على وثيقة منظمة الاشتراكية الدولية الداعية لإلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها عقوبة انتقامية غير إنسانية، ولذلك فقد تأخر تنفيذ الحكم بحق صدام حسين بضعة شهور، حتى خوّل طالباني رئيس الحكومة نوري المالكي توقيع الحكم أثناء سفره إلى خارج العراق.
الكاتب والباحث د. تيسير عبد الجبار الألوسي شارك في حوار DW عربية مؤكدا أن طالباني باعتباره محاميا يلتزم أكثر من غيره بالتزامات الوظيفة المهنية، ومن هنا فهو ملتزم بقرارات منظمة الاشتراكية الدولية. وأشار الالوسي إلى أن طالباني لم يتصرف مع صدام حسين بروح انتقامية.
" رئيس بلا صلاحيات لكن دوره مهم "
وشبّه د.الالوسي طالباني في كثير من جوانب حياته بالرئيس الفيتنامي هوشي منه فهو قائد تحرري قومي في البداية وقائد وطني عراقي في النهاية. واعتبر د. الآلوسي أن" طالباني ومن خلال التزامه بالدستور تحول إلى حارس أمين للدستور وقيمه"، مشيرا إلى أن هذا يضاف إلى ما يتمتع به (مام) جلال من ظرف وبديهة حاضرة، قد اكسباه احترام ومحبة جميع الأطراف.
وضع الرئيس العراقي من ناحية الصلاحيات يشبه إلى حد كبير وضع الرئيس الألماني، وقد يكون هذا بسبب تشابه الديكتاتوريات التي دفعت الشعبين إلى توزيع الصلاحيات على عدة مراكز خوفا من عودة الديكتاتورية ، والى ذلك ذهب الكاتب نزار حيدر مشيرا إلى " أن العراقيين قد تعبوا من سنوات الديكتاتورية ، لذلك حاولوا أن يقسّموا السلطة كي لا تجتمع في يد رجل واحد فيتحول إلى الزعيم الأوحد والقائد الضرورة". وفي معرض حديثه عن المحاصصة أقر حيدر أنها أمر كريه، لكنه ذهب إلى أنه " في حالة جلال طالباني قد منحته المحاصصة سلطة إستراتيجية ، فهو لا يملك صلاحيات كبيرة حسب الدستور، لكنه يتمتع بدور ريادي مهم باعتباره رئيس حزب وكتلة سياسية كبرى".
مام جلال: المعلم أم النابغة أم العم جلال!؟
يلقب طالباني بـ "مام جلال"، وهو لقب يقصد به التحبب والتقدير، ولكن الجميع مختلفون حول معناه، ففيما يذهب البعض إلى أنه يعني العم جلال، يقول آخرون انه مشتق من كلمة "ماموستا" الكردية التي تعني الأستاذ. لكن الصحفي لقمان برزنجي الذي يعرف طالباني عن كثب بشكل شخصي، يعيد القصة إلى لقب "ماموتك" الذي أطلق على طالباني في مدرسته حين كان في الصف الرابع الابتدائي، والكلمة تعني النابغة.
في زمن يتساقط فيه رؤساء عرب غير منتخبين، و تهتز سلطة زعامات أخرى عربية وإقليمية، يلاحظ متابع الشأن العراقي قلق اغلب أبناء هذا البلد على صحة رئيسهم ما يعكس حبا له ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة من خلال موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك والايميلات المتبادلة بين الصحفيين.
ولعل ما يميز طالباني في هذا الخصوص أنه ملتزم بالقانون والدستور ويعمل بموجبهما، إضافة إلى التزامه الإنساني بقيادة العراق، والى هذا أشار د .تيسير عبد الجبار الآلوسي مقارنا بين قيادة طالباني وقيادات عربية اوتوقراطية مطلقة متشبثة بالحكم في المنطقة منذ عقود من الزمن، وقد قادت مواقف هذه القيادات إلى ثورات الشعوب العربية التي أطاحت بها .
"لا نصنع صنما لكننا نقارنه بباقي الرؤساء"
ونبّه الالوسي إلى أن محبة الشعب والنخب للرئيس طالباني "لا يجب أن تفسر بأنها مساع لصنع صنم جديد، بل نحن نتحدث بحقائق تطرحها مقارنة نجريها بينه وبين قيادات عربية انهار بعضها، وتنهار أخرى في الوقت الحاضر".
في اتصال من البصرة، أشادت المحامية هديل بقيادة طالباني لكنها استدركت متسائلة: لماذا لم يزر البصرة وهو رئيس جمهورية؟
ردا على هذا السؤال أشار المستمع كوران في اتصال من السليمانية إلى أن طالباني قد زار البصرة عدة مرات لكنه لا يحب الأضواء ، لذا فإن الإعلام لم يغط زياراته المتكررة إليها.
المستمع محمد في اتصال من بغداد تحدث عن تجربته الخاصة بشأن انتخاب طالباني، مبينا انه كان من المعترضين على انتخابه لمنصب الرئاسة لكونه كرديا سيترأس بلدا عربيا، والسبب الثاني انه اعتقد انه سوف يعمل للأكراد على حساب باقي المكونات، ثم مضى محمد إلى القول إن كل هذه الانطباعات قد تغيرت بمرور الوقت بعد أن اثبت طالباني انه فوق الميول القومية الضيقة وانه رئيس لكل العراقيين.
المستمع ماجد في اتصال من البصرة أشار إلى أن من " أوصل طالباني إلى سدة الرئاسة هي المحاصصة" معتبرا أن رئاسة الجمهورية في العراق الجديد أصبحت عبئا على المؤسسة العراقية باعتبارها مؤسسة غير منتجة واستهلاكية.