مدينة بينزبيرغ الألمانية نموذج ناجح للتعايش مع الإسلام
٢٨ ديسمبر ٢٠٠٩لا يمر يوم الجمعة في مدينة بينزبيرغ شمال ولاية بافاريا الألمانية كيوم عادي، إذ يؤم عدد كبير من المسلمين مسجد المدينة لأداء صلاة الجمعة وللاستماع للخطبة التي يلقيها الإمام بنيامين إدريس بالبوسنية والتركية والألمانية. سكان المدينة المسيحيون لا يجدون في المسجد إزعاجاً لحياتهم اليومية، كما قد يكون عليه الحال في مناطق أخرى في ألمانيا. القس يوزف كيرشنشتاينر من الكنيسة الكاثوليكية في بينزبيرغ يشرح السبب قائلاً: "إنني أعتقد أن الجالية المسلمة هنا قد تصرفت بكل شفافية عند تخطيطها لبناء مسجد، فقد قدمت خطط البناء على سبيل المثال في مقر القساوسة لكي تسمح لنا بالتعامل مع الأمر بشكل أمثل دون أي مفاجئات".
إلا أن التعايش بين الجاليات الدينية المختلفة في بينزبيرغ لم يكن دائماً بهذه السلاسة، فالمدينة التي يسودها الطابع المسيحي الكاثوليكي والذي يميز ولاية بافاريا بشكل عام – شهدت عدداً من النزاعات بشأن بناء المسجد، مما دفع بمجلس المدينة إلى "رص الصفوف" ومحاولة بث التناغم بين الأطراف المختلفة، إذ أن النمو الصناعي في المدينة زاد من التنوع الديني فيها، وهو أمر دفع الكثيرين للتفكير بشكل مختلف. إمام مسجد بينزبيرغ بنيامين إدريس يشير إلى أن أول مهام الجالية المسلمة كانت "الحد من الصراعات بين المعتقدات والقيم المختلفة لكل جالية دينية في المدينة ودفع الآخرين لفهم الإسلام من أجل تقليل المخاوف المحيطة به".
دور مهم لأئمة المساجد
"المؤتمر الإسلامي" في ألمانيا أدرك الدور المهم الذي يلعبه الإمام في تأطير الجالية المسلمة. ويؤكد عضو المؤتمر بدر محمد أن الأئمة مطالبون بدفع عجلة اندماج المسلمين في المجتمع الألماني وبممارسة المزيد من النفوذ في المجتمعات التي يعيشون فيها. هذا ويضيف بدر محمد أن الأئمة "يمارسون دوراً مهماً في بناء الجسور بين الثقافات المتعددة من شأنها تشجيع جهود الاندماج". وفي نفس الإطار يطالب محمد بتأهيل أئمة المساجد في الجامعات الألمانية، وهو أمر من شأنه إتاحة قدر أكبر من السيطرة على المحتوى التعليمي والديني للخطب التي يلقونها.
أما اليوم، وبعد عشر سنوات على بناء مسجد بينزبيرغ، لا يكاد المرء يجد أي شخص في المدينة، بغض النظر عن ديانته، يعارض وجود المسجد فيها، فبالعكس، يشير كثير من السكان إلى أنهم معجبون بالنمط المعماري للمسجد وبحسن بنائه. وتقول إحدى القاطنات في المدينة: "يجب أن يتوفر لكل شخص إمكانية ممارسة شعائره الدينية بحرية، طالما ساد التساوي بين الأديان المختلفة".
من ناحيته يعتبر الإمام إدريس أنه من المهم أن يعيش المسلم في ألمانيا حياة تقارب في قيمها وإطارها القيم الأوروبية، فبالرغم من كون ألمانيا الموطن الجديد، يمكن للمسلمين هنا تشكيل حياتهم حسب معتقداتهم الدينية وبالتناغم مع الأديان الأخرى، مضيفاً أن "الوصفة الناجحة بالنسبة لي هي أننا نفسر الإسلام في أوروبا بشكل مختلف عن تفسيره في الشرق الأوسط مثلاً: تفسيره هنا يتسم بالتحرر، والانفتاح واليسر".
حوار الأديان أساس التعايش السلمي
وأكبر مثال على "انفتاح" الجالية المسلمة في بينزبيرغ هو الاجتماعات الشهرية التي تنظمها بالتعاون مع الجاليات الدينية الأخرى في المقهى الدولي في المدينة، والتي تركز حول الحوار المشترك وتبادل الآراء، وهو ما يساعد على دفع عجلة التسامح الديني والاحترام المتبادل.
من جهة أخرى يضيف بدر محمد من المؤتمر الإسلامي في ألمانيا أن للإمام دوراً مهماً في فهم متطلبات وحاجات العائلة المسلمة، والتي قد تساهم في دمجها في المجتمع بشكل عام. وبحسب رأيه فإن هذا الفهم نابع من التأهيل الذي يحصلون عليه في الجامعات. ومن المهم أيضاً أن يساهم الأئمة في توعية غير المسلمين حول الإسلام وإزالة أي سوء فهم لأركانه، فالأئمة في ألمانيا "يجب أن يتصرفوا كمستشارين وناصحين في معظم شؤون الحياة اليومية، وهو ما يمليه عليهم دورهم كقدوة لأفراد جاليتهم".
ويتفاءل العديد من الألمان لمستقبل حوار الأديان في مدينة بينزبيرغ، طالما استمر التعاون والحوار بين الجاليات المختلفة على أسس التسامح الديني وتفهم وجهات النظر الأخرى. ويلخص أحد المارة في المدينة الوضع بقوله: "إذا ما تكلل الأمر بالنجاح في جميع المدن الألمانية كما هو هنا، فلن نعاني من أي مشاكل في الاندماج إطلاقاً".
الكاتب: ياسر أبو معيلق / باولينا تيلمان
مراجعة: حسن زنيند