مظاهرات الأنبار: انقسام شعبي ما بين مؤيد ورافض لحكومة المالكي
١٦ يناير ٢٠١٣جُمع "العزة" و"الكرامة" و"الرباط" و"عراقنا واحد"، أسماء لتظاهرات ليس لإحدى دول الربيع العربي التي أزاحت رؤساء وغيرت أنظمة وحكومات، وإنما تظاهرات بدأت تشهدها أغلب المحافظات ذات الغالبية السنية في العراق.
ويشهد العراق منذ (20 كانون الأول/ ديسمبر) الماضي، تظاهرات واعتصامات انطلقت شرارتها الأولى من محافظة الأنبار غربي العراق، على خلفية اعتقال عناصر من حماية وزير المالية العراقي رافع العيساوي، ثم توسع نطاق التظاهرات ليشمل محافظات عدة. إذ امتدت تظاهرات الأنبار إلى محافظات صلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك وبعض مناطق العاصمة بغداد، للمطالبة بـ"إطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين ممن لم تثبت إدانتهم، وإلغاء المادة 4 إرهاب وقانون المساءلة العدالة من الدستور العراقي"، فضلاً عن "تعديل مسار العملية السياسية" بالإضافة إلى وقف "سياسة الإقصاء والتهميش ضد المكون السني في البلاد".
وتنص المادة الرابعة من الدستور العراقي في البند الأول على أن يعاقب بالإعدام كل من ارتكب بصفته فاعلاً أصلياً أو شريكاً في الأعمالِ الإرهابية، ويعاقب المحرض والمخطط والممول، أما البند الثاني فينص على العقاب بالسجن المؤبد على كلِ من أخفى عن عمد أي عمل إجرامي أو تستّر على شخص إرهابي.
كما اقر مجلس النواب العراقي السابق في (12 كانون الثاني/ يناير 2008) قانون المساءلة والعدالة ليحل محل قانون اجتثاث البعث، وينص على إجراءات أقل صرامة تجاه أعضاء المراتب العليا لحزب البعث المحظور.
لكن كيف تنعكس هذه المطالب على الشارع العراقي؟ عند تجوالك بين أزقة منطقة الرشيد وشارعها التجاري وسط العاصمة العراقية بغداد، التي تصنف بأنها مختلطة طائفياً وعرقياً، ينتابك فضول للوهلة الأولى عما يدور خلف جدران منازل هذه المنطقة ومحالها حول رؤيتهم لتظاهرات العراق الأخيرة، على اعتبار أن سكان المنطقة هم شريحة تمثل أغلب مكونات العراق الدينية والعرقية.
حق مشروع دستورياً
يعتقد جاسم محمد، وهو صاحب مشغل صغير لخياطة الملابس الرجالية في منطقة الرشيد، أن حق التظاهر مشروع دستورياً "ما دامت سلمية وبعيدة عن العنف"، محذراً في الوقت ذاته من أن يستغل بعض ضعفاء النفوس سلمية التظاهرات ويحولوا أهدافها إلى "طائفية". ويضيف محمد (68 عاماً) في حديث مع DW عربية، والذي يقطن مع العديد من أقربائه في منطقة الرشيد: "هناك بعض الأخطاء ارتكبتها الحكومة تحت مسمى الدستور وخاصة ضد المناطق المتوترة أمنياً"، في إشارة إلى المحافظات السنية التي شهدت التظاهرات الأخيرة.
استهانة بدماء الأبرياء
أما الموظف الحكومي حسين العكيلي والذي يسكن الرشيد منذ صباه، فيرى أن "العراق هو أول بلد عربي شهد رياح التغيير بعد عام 2003، فلا أتوقع أن ينجر مرة أخرى إلى ربيع ثاني" على غرار ما شهدته بعض الدول العربية خلال الأشهر القليلة الماضية. ويقول العكيلي (30 عاماً) في حوار مع DW عربية: "لا اتفق مع بعض المطالب التي رفعت في الجمع الماضية"، في أشارة إلى إلغاء المادة 4 إرهاب وقانون المساءلة والعادلة من الدستور العراقي، مبيناً أن "إلغاءهما استهانة بدماء الأبرياء وضحايا أزلام النظام البائد"، بحسب تعبيره.
وتظاهر الآلاف من مؤيدي رئيس الوزراء نوري المالكي في ساحة التحرير ببغداد يوم السبت (12 كانون الثاني/ يناير) الجاري، حاملين لافتات تعبر عن دعم المالكي وتدعو إلى محاسبة من وصفوهم بـ"الطائفيين" وطالبوا بعدم إلغاء المادة 4 إرهاب وقانون المساءلة والعدالة.
الفيدرالية هي الحل؟
"إن غموض المشهد السياسي العراقي يعد السبب في تفاقم الأزمة التي تمر بها البلاد"، بهذا يحاول عبد المجيد حميد، بائع الكتب المتجول في شارع الرشيد ومن سكنه المنطقة ذاتها، أن يلخص رؤيته لتظاهرات العراق الأخيرة. ويوضح حميد (51 عاماً) في حديث مع DW عربية أن تطبيق النظام الفيدرالي والأقاليم "هو الحل الأنسب للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي شبح الحرب الأهلية وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في بلدي"، داعياً أن يعم الأمن والأمان أرجاء العراق.
يشار إلى أن الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر أعلن تعاطفه مع مطالب متظاهري الأنبار والمحافظات ذات الغالبية السنية، مؤكداً أن تلك التظاهرات "ليست موجهة ضد الحكومة بل ضد سياساتها"، ودافع عن "وطنية مطالب المتظاهرين" في تلك المحافظات.
التظاهرات بداية لربيع إصلاح
من جانبه، يبين المحلل السياسي سعد سلوم أن "تظاهرات العراق تعد بداية لربيع إصلاح القوانين والتشريعات"، مستبعداً في الوقت ذاته أن تكون هذه التظاهرات بداية لربيع عراقي نظراً "لازدواجية التظاهرات المؤيدة والمعارضة للحكومة". ويقول سلوم في حوار مع DW العربية، والذي يشغل منصب رئيس تحرير مجلة "مسارات" الصادرة في بغداد، إن "جميع الاعتصامات والتظاهرات الأخيرة تعد "مشروعة دستورياً طالما كانت تطالب بالإصلاح السياسي".
ويعتقد سلوم أن توقيت تظاهرات المدن السنية والمتزامنة مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات في العراق تعد صحوة متأخرة "لكي تشهد الساحة السياسية ظهور شخصيات مهنية تحمل مطالب المتظاهرين في برنامجها الانتخابي المقبل"، بحسب المحلل السياسي.
ويرى مراقبون للشأن العراقي انه في حال استمرار التظاهرات والاعتصامات في البلاد، التي يقابلها خروج تظاهرات مناوئة لها، وعدم تدارك الأزمة الراهنة وامتصاص غضب المتظاهرين، ربما قد يعيد البلاد إلى سنوات العنف الطائفي وخاصة في عامي 2006 و2007.