مهمة صعبة تنتظر المبعوث الأوروبي الجديد للشرق الأوسط
٣١ يناير ٢٠١٢أندرياس راينيكه دبلوماسي ذو خبرة طويلة، كان يشغل منصب سفير ألمانيا في دمشق وقبلها مديرا لقسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الألمانية. وبين عام 2001 و 2004 كان ممثل ألمانيا في رام الله، مقر السلطة الفلسطينية. وقد تزامن ذلك مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية ضد إسرائيل، حيث كانت القنابل تنفجر تقريبا يوميا في المدن الإسرائيلية. وفي مطلع عام 2002 احتل الجيش الإسرائيلي المدن الفلسطينية في الضفة الغربية مرة أخرى بعد هجوم دموي تعرض له مواطنون إسرائيليون.
إذن فإن أندرياس راينيكه ملم كل الإلمام بالآمال والانتكاسات التي تشهدها المحاولات المتكررة من أجل السلام والديمقراطية في الشرق الأوسط. وهاهو الآن يكلف مهمة مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى الشرق الأوسط بهدف مواصلة أو بالأحرى استئناف محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. مهمة صعبة للغاية تتطلب من الدبلوماسي الألماني الكثير من الحنكة والبراعة الدبلوماسية وكذلك الكثير من الصبر.
مهمة لم ينجح فيها أحد بعد!
تم إحداث مهمة مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى الشرق الأوسط عام 1996، عندما آلت عملية السلام إلى الجمود، حين كان رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو يشغل نفس المنصب في فترة ما بين 1996 و1999. وكان الدبلوماسي الإسباني ميغيل موراتينوس أول من تولى تلك المهمة بعد أن شغل منصب سفير إسبانيا لدى إسرائيل. وقد منيت محاولاته إحياء المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين بالفشل. وعندما انتهت مهمته عام 2000 كانت العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي قد وصلت تقريبا إلى الجمود. فقط في عام 2003 تمكن الدبلوماسي البلجيكي مارك أوت، الذي تولى المهمة عقب السويدي نيلز إيريكسون، من إدخال نوع من الدفء على العلاقات الإسرائيلية الأوروبية. وكانت مهمته تكمن في المساعدة على تطبيق خطة اللجنة الرباعية في وضع خارطة طريق للسلام في الشرق الأوسط.
وكانت اللجنة الرباعية، التي تتكون من الولايات المتحدة وروسيا بالإضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد اجتمعت عام 2002، حين بلغت الانتفاضة الثانية ذروتها الدموية. وكان الدبلوماسي البلجيكي يسعى إلى إرجاع طرفي النزاع المتناحرين إلى طاولة المفاوضات. ولهذا الغرض وضع خطة تدرجية تهدف إلى إنهاء العنف وإعادة الثقة بين الطرفين. وكانت السلطة الفلسطينية قد وافقت على خارطة الطريق دون أي تحفظات. فيما رفضتها الحكومة الإسرائيلية آنذاك برئاسة آرييل شارون في البداية رفضا قاطعا. بعدها بفترة، وافقت عليها ولكنها أضافت عليها 18 نقطة تحفظ. ولكن خارطة الطريق، التي كانت تقضي بأن ينهي الفلسطينيون أعمال العنف ضد إسرائيل وبالمقابل تلتزم الأخيرة بالانسحاب من المدن الفلسطينية وتجميد أنشطتها الاستيطانية، قد منيت في النهاية بالفشل.
وقد قيمت اللجنة الرباعية انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 بأنه إشارة إيجابية تتطابق مع خارطة السلام. وقبلها كان مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية دوف فايسغلاس قد أوضح في مقابلة مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن بلاده ستنسحب من قطاع غزة لوقف خارطة الطريق ول"تحنيط" عملية السلام مع الفلسطينيين، على حد تعبيره. كما كان صرح أن الانسحاب من قطاع غزة لن تتبعه تنازلات ترابية في الضفة الغربية، مضيفا أن إسرائيل قد اتخذت هذه الخطوة بجانب أحادي بدون أي محادثات مع الفلسطينيين وذلك للحيلولة دون استئناف مفاوضات السلام ودون إقامة دولة فلسطينية.
راينيكه وتفعيل الدور الأوروبي؟
وقد أسفر فوز حركة حماس بالانتخابات عام 2006 ورفض الأوروبيين إجراء محادثات مع الحكومة الجديدة عن تراجع دور الاتحاد الأوروبي في أحداث الشرق الأوسط. وفي عام 2007 عينت اللجنة الرباعية وبحث من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش رئيس الوزراء البريطاني المنتهية ولايته حينها توني بلير كمبعوث إلى الشرق الأوسط. فيما لم يعد للدبلوماسي البلجيكي مارك أوت أي حضور يذكر. وفي عام 2011 انتهت مهمته فيما بقى منصب مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى الشرق الأوسط شاغرا.
والآن يتولى الدبلوماسي الألماني أندرياس راينيكه هذه المهمة الصعبة في تفعيل دور الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط. وقد يستفيد راينيكه من أن شخصية توني بلير مثيرة للجدل في المنطقة نظرا لعلاقاته التجارية في العالم العربي، حيث يتهم الأخير من أنه يستغل دوره كمبعوث اللجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط لإبرام صفقات مدرة للأرباح لصالح مصرف جي.بي مورغان تشيس، الذي يعمل به كمستشار. الفلسطينيون يشعرون بالإحباط ويتهمون بلير بأنه غير محايد وأنه يفضل الإسرائيليين على حسابهم، الأمر الذي دفع القيادة الفلسطينية في الخريف الماضي إلى المطالبة بتنحيته من منصبه.
بيتينا ماركس / شمس العياري
مراجعة: حسن زنيند